الزيارة الرّسوليّة إلى البحرين
المؤتمر الصّحفي في أثناء رحلة العودة من عوالي إلى روما
الأحد 6 تشرين الثّاني/نوفمبر 2022
_____________________________________
البابا فرنسيس
صباح الخير، شكرًا جزيلًا على مرافقتكم خلال هذه الأيام، وعلى عملكم. شكرًا حقًا. والآن أنا مستعد للإجابة على أسئلتكم. سأحاول الإجابة بكلّ ما أعرفه! شكرًا.
ماتيو بروني
حسنًا، صاحب القداسة، أوّل سؤال هو من صحفيّة بحرينيّة، فاطمة النجم، من وكالة الأنباء البحرينيّة.
فاطمة النجم (وكالة أنباء البحرين)
صاحب القداسة، أنا فاطمة النجم من وكالة أنباء البحرين. أودّ أن أقول شيئًا قبل أن أبدأ بطرح سؤالي. لديكم مكانة خاصّة جدًا في قلبي، لا لأنّكم زرتم بلدي وحسب، بل لأنّه عندما تمّ انتخابكم بابا الفاتيكان كان يوم عيد ميلادي! لدي سؤال واحد. كيف تقيّمون نتائج زيارتكم التاريخيّة إلى مملكة البحرين، وكيف تنظرون إلى جهود البحرين من أجل تمتين وتعزيز العيش معًا بين أطياف المجتمع كافة، من كلّ دين وجنس وعرق؟
البابا فرنسيس
باستطاعتي أن أقول إنّها ”زيارة لقاء“ لأنّ الهدف كان الحوار بين الأديان مع الإسلام، والحوار المسكوني مع برثلماوس. والأفكار التي عبّر عنها الإمام الأكبر شيخ الأزهر صبّت في هذا الاتجاه بحثًا عن الوَحدة، الوَحدة داخل الإسلام باحترام الفروق الدقيقة والاختلافات، ومع الوَحدة؛ والوَحدة مع المسيحيّين ومع باقي الديانات.
وبغية الدخول في حوار بين الأديان، أو في حوار مسكوني ثمة لا بدَّ من هوية خاصّة. لا يمكن الانطلاق من هوية ”مبهمة“. ”أنا مسلم“، ”أنا مسيحي“، هذه هي هويتي، وهكذا أتكلّم بهذه الهوية. عندما لا تكون الهوية محدّدة، أو تكون الهوية ”مبددة“، يصعب الحوار لأنّه لا يوجد ”ذهاب وإياب“، لذا المسألة مهمّة. وهذان الاثنان اللذان جاءا (إلى البحرين)، الإمام الأكبر شيخ الأزهر والبطريرك برثلماوس، يتمتعان بهوية قويّة. وهذا أمر مجدٍ.
من وجهة النظر الإسلاميّة، استمعتُ بانتباه إلى المداخلات الثلاث للإمام الأكبر، وتأثرتُ بالطريقة التي يشدّد فيها بقوّة على الحوار بين المسلمين، بينكم أنتم، لا لإلغاء الاختلافات، بل لتحقيق التّفاهم والعمل معًا، بعيدًا عن المواجهة. نحن المسيحيّين لدينا تاريخ صعب بعض الشيء فيما يتعلق بالاختلافات والذي أدى إلى اندلاع حروب دينيّة: الكاثوليك ضد الأرثوذكس، أو ضد اللوثريّة. الآن والحمد لله، بعد المجمع (الفاتيكاني الثاني)، حصل تقارب وباستطاعتنا أن نتحاور وأن نعمل معًا، وهذا أمر مهمّ، ونؤدّي الشّهادة أمام الآخرين بأنّنا نصنع الخير. ثمّ يقوم المختصّون، اللاهوتيون، بمناقشة القضايا اللاهوتيّة، لكن نحن علينا أن نسير معًا بكوننا مؤمنين، وأصدقاء وإخوة، وأن نصنع الخير.
تأثرتُ أيضًا بالأمور التي قيلت في مجلس حكماء المسلمين، بشأن الخليقة وحماية الخليقة: هذه المسألة هي مدعاة قلق مشترك لدى الجميع، المسلمين والمسيحيّين، الجميع. الآن يتوجّه على متن الطائرة نفسها من البحرين إلى القاهرة أمين سرّ دولة الفاتيكان مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر، يسافران معًا كأخوين. هذا شيء مؤثّر فعلًا... هذا أمر مهمّ ومفيد. أيضًا حضور البطريرك برثلماوس، الذي هو شخص نافذ على الصّعيد المسكوني، وقد أحسن. لقد رأيناه يعمل، ضمن اللقاء المسكوني الذي عقدناه، وأيضًا من خلال الكلمات التي قالها من قبل. خلاصة القول كانت زيارة لقاء.
وبالنسبة لي، الجديد هو أنّني تعرّفتُ على ثقافة منفتحة على الجميع. ففي بلدكم هناك مكان للجميع. لقد قال لي الملك: ”باستطاعة أي شخص أن يعمل ما يشاء هنا: إذا أرادت المرأة أن تعمل، فلتعمل. انفتاح تام“. هذا ما قاله لي – أنت تعلمين ذلك، أنت تعملين. وهناك أيضًا الشّق الديني، ثمة انفتاح هنا أيضًا. لقد تأثّرتُ بكمية المسيحيّين: الفيليبينيّون، الهنود من كيرالا الموجودون هنا، إنّهم يعملون في البلاد ويعيشون فيها، وهم كثيرون.
فاطمة النجم
قل له إنّهم يحبّونه، لا بل يعشقونه!
ماتيو بروني
إنّهم يحبونك كثيرًا.
البابا فرنسيس
هذه هي الفكرة، لقد وجدتُ واقعًا جديدًا، وهذا يساعدني على الفهم وعلى مزيد من الحوار مع الناس. الكلمة المفتاح هي ”الحوار“، وكي نتحاور علينا أن ننطلق من هويتنا الخاصّة، يجب أن تكون لنا هوية.
فاطمة النجم
شكرًا يا صاحب القداسة. أسأل الله الكلي القدرة أن يبارككم بالصّحة الجيّدة والسّعادة والحياة المديدة!
البابا فرنسيس
نعم، نعم، صلّي من أجلي. لي، لا ضدي!
ماتيو بروني
صاحب القداسة، السّؤال الثاني يطرحه عماد أطرش من محطة سكاي نيوز عربيّة.
عماد أطرش (سكاي نيوز عربيّة)
أيّها الأب الأقدس، منذ التّوقيع على ”وثيقة الأخوّة الإنسانيّة“، قبل ثلاث سنوات، إلى زيارة بغداد، ثمّ مؤخرًا كازاخستان: هل هذه المسيرة تُعطي برأيكم ثمارًا ملموسة؟ أيمكننا أن نفكّر في أنّها قد تبلغ ذروتها في لقاء في الفاتيكان؟ كما أريد أن أشكركم لأنّكم أتيتم على ذكر لبنان اليوم، لأنّني بكوني لبناني أستطيع أن أقول لكم إنّنا بحاجة ملّحة فعلًا لزيارتكم، خصوصًا وأنّنا نفتقر اليوم إلى رئيس، تعال كي تعانق الشّعب مباشرة. شكرًا.
البابا فرنسيس
شكرًا. لقد فكرتُ في الأمر مليًا خلال هذه الأيام، وتحدّثت عن الموضوع مع الإمام الأكبر، حول نشأة فكرة وثيقة أبو ظبي، هذه الوثيقة التي صغناها معًا، وهي الأولى من نوعها. لقد جاء إلى الفاتيكان في زيارة مجاملة، وكانت أيضًا زيارة بروتوكوليّة. وكانت الزيارة وقت الغداء تقريبًا، وكان يستعد للمغادرة، وعندما ذهبتُ لأودعه، سألته: أين تذهب لتناول الغداء؟ لم أفهم ماذا قال لي. ”تعالَ لنتغدى معًا“. كانت الدعوة نابعة من القلب. ثمّ جلسنا على المائدة: هو مع أمين السّرّ ومستشارَيه، وأنا مع أمين السّرّ ومستشاري، أخذنا الخبز وكسرناه وأعطيناه الواحد للآخر: علامة للأخوّة، تقديم الخبز. كان غداء جميلًا جدًّا، وأخويًا جدًّا. وعند نهاية الغداء لا أدري من جاءته الفكرة: ”لمَ لا نضع وثيقة خطيّة بشأن هذا اللقاء؟“. هكذا أبصرت النور وثيقة أبو ظبي. انكب أمينا السّرّ على العمل، وصارت مسودة تذهب ومسودة تأتي، ومسودة تذهب وأخرى تعود... وفي نهاية المطاف استفدنا من لقاء أبو ظبي لنشرها. كان شيئًا من عند الله، لا نستطيع أن ندركه بطريقة أخرى، لأن لا أحد منا سبق أن فكّر في هذا الأمر. وُلدت الفكرة خلال مأدبة غداء وديّة، وهذا أمرٌ عظيم.
بعدها تابعتُ التفكير، ووثيقة أبو ظبي أصبحت ركيزة للرسالة العامة كلّنا إخوة Fratelli Tutti. إنّ ما كتبته لاحقًا بشأن الصّداقة البشريّة في الرسالة العامة كلّنا إخوة Fratelli Tutti، يجدُ أساسه في وثيقة أبو ظبي. أعتقد أنّه لا نستطيع أن نفكّر في درب من هذا النوع دون أن نفكّر في بركة خاصّة من الله على هذه الدرب. كلمة حق تُقال، يجب أن تعلموا كيف ألهمنا الله للسير على هذه الدرب. لم أكن أعرف حتى اسم الإمام الأكبر، ثمّ أصبحنا صديقَين، وصنعنا شيئًا سويًا كصديقَين. والآن نتحاور معًا في كلّ مرة نلتقي. هذا فيما يتعلّق بالوثيقة وهي مهمّة في زمننا، ويتمّ العمل على نشرها.
أمّا بشأن لبنان. لبنان مصدر ألم بالنسبة لي، لأنّ لبنان ليس مجرّد بلد بحد ذاته – هذا ما قاله حبر أعظم قبلي – لبنان ليس مجرّد بلد، إنّه رسالة. للبنان معنى كبير جدًّا بالنسبة لنا جميعًا. لبنان يتألّم اليوم. إنّي أصلّي. وأودّ أن أنتهز هذه الفرصة لأوجه نداء إلى السّاسة اللبنانيّين: ضعوا المصالح الشخصيّة جانبًا، انظروا إلى البلاد واتفقوا. الله والوطن أوّلًا، ثم المصالح. لكن الله والوطن أوّلًا. الآن لا أريد أن أقول ”أنقذوا لبنان“، لأنّنا لسنا منقذين، لكن رجاءً ساندوا لبنان، ساعدوه، كي لا يستمر في درب الانهيار، كي يستعيد لبنان عظمته. وهناك الوسائل لذلك... هناك سخاء لبنان: كم هو كبير عدد اللاجئين السياسيّين في لبنان! إنّه سخي جدًّا، ويتألّم. أودّ أن أستفيد من هذه الفرصة لأطلب منكم الصّلاة من أجل لبنان. الصّلاة أيضًا هي صداقة. أنتم صحفيون، انظروا إلى لبنان، وتحدّثوا عن هذا الموضوع كي يزداد الوعي. هذا ما أردتُ أن أقول لك. شكرًا.
ماتيو بروني
شكراً يا صاحب القداسة، السّؤال الثالث تطرحه كارول غلاتس، من “كاثوليك نيوز سيرفيس“.
كارول غلاتس (كاثوليك نيوز سيرفيس CNS)
شكرًا، أيّها الأب الأقدس. خلال هذه الزيارة إلى البحرين تحدّثتُم عن الحقوق الأساسيّة، بما في ذلك حقوق المرأة، وكرامتها، وحقها في التّمتع بما يلزم في البيئة الاجتماعيّة والعامة، وشجّعتم – كما تفعلون دائمًا – الشّبان على أن يتسلّحوا بالشّجاعة، وعلى إحداث ضجة؛ على السّير قدمًا من أجل بناء عالم أكثر عدلًا. بالنظر إلى الوضع في إيران المجاورة، ومع التّظاهرات التي أطلقتها بعض النسوة والكثير من الشّبان الذين يطالبون بمزيد من الحريّة، هل أنتم تدعمون التزام النساء والرجال المطالبين بحقوق أساسيّة، والواردة أيضًا في وثيقة الأخوّة الإنسانيّة؟
البابا فرنسيس
لا بد من قول الحقيقة: النضال من أجل حقوق المرأة هو نضال مستمّر. في بعض المناطق تتمتع المرأة بالمساواة مع الرجل، لكن هذا لا يحصل في مناطق أخرى. أليس كذلك؟ إني أتذكّر، في خمسينيات القرن الماضي في بلادي، عندما حصل نضال من أجل الحقوق المدنيّة للنساء، كي تتمكّن المرأة من التّصويت، لأنّه حتى عام 1950 تقريبًا، كان الرجال فقط يصوتون عندنا. وأفكّر في النضال الشّهير نفسه في الولايات المتّحدة، من أجل حق المرأة في التّصويت. إنّي أتساءل لماذا يتعيّن على المرأة أن تناضل بهذا الشكل كي تحافظ على حقوقها؟ هناك قصة – لا أعرف هل هي أسطورة – بشأن مصدر مجوهرات المرأة. إنّها تعكس قساوة الأوضاع الكثيرة التي تواجهها المرأة. يُقال إنّ المرأة تلبس الكثير من المجوهرات لأنّه في أحد البلدان – لا أتذكّر، قد يكون بلدًا تاريخيًا – كانت العادة أنّه عندما كان يسأم الزوج من زوجته كان يطلب منها أن ترحل. وكانت لا تستطيع العودة إلى البيت ولا تأخذ معها شيئًا. كان يتعيّن عليها الرّحيل مع ما كان عليها. ولهذا السّبب كانت المرأة تجمع الذهب كي تتمكّن من أن تأخذ شيئًا معها. يُقال إنّ هذا هو مصدر الجواهر. لا أدري هل هذا صحيح أم لا، لكن الصّورة تساعدنا.
الحقوق أساسيّة. كيف لا نستطيع اليوم أن نوقف في العالم مأساة ختان الفتيات؟ هذا أمر رهيب! اليوم! أن تكون هناك هذه الممارسة والإنسانيّة عاجزة عن وقف هذه الجريمة، هذا العمل الإجرامي! فالمرأة، بحسب تعليقين سمعتهما، إما تكون ”مادة للاستعمال مرّة واحدة“ – وهذا أمر قبيح – أو ”صنفًا محميًا“. المساواة بين الرجال والنساء لم تتحقّق بعد على الصّعيد العالمي. وهناك بعض الأوضاع حيث تُعتبر المرأة من الفئة الثانيّة أو أقل من ذلك. لا بد من الاستمرار في النضال من أجل ذلك، لأن النساء هن عطيّة. لم يخلق الله الإنسان ثم أعطاه كلبًا صغيرًا ليلهو به. لا! لقد خلقهما كليهما، خلقهما متساويين: رجل وامرأة. هذا ما كتبه بولس الرّسول في إحدى رسائله بشأن العلاقة بين الرجل والمرأة، ويبدو لنا الأمر قديمًا اليوم، لكنّه آنذاك كان ثوريًا إلى حد إثارة الشّك. أيّ أمانة الرجل للمرأة، أيّ أن يعتني الرجل بالمرأة كما يعتني بجسده. (راجع 2 قورنتس 5، 28-29). لقد كان الأمر آنذاك ثوريًا! حقوق المرأة كلّها تنبع من هذه المساواة. والمجتمع العاجز عن وضع المرأة من مكانتها الصّحيحة لا يستطيع أن يتقدّم. وقد اختبرنا ذلك.
في الكتاب الذي كتبته ”لنحلم من جديد“، وفي القسم المتعلّق بالاقتصاد على سبيل المثال: هناك نساء خبيرات في الاقتصاد في زمننا الحاضر، غيّرن النظرة الاقتصاديّة، وهن قادرات على العمل في هذا المجال. لأن لديهن مواهب خاصّة بهن، مختلفة. يعرفن كيف يدرنَ الأمور بطريقة أخرى، لا تقل شأنًا (عن غيرها)، بل تكمّل طرق الغير. كان لي حديث مرّة مع رئيسة حكومة، وهي امرأة عظيمة، وأم لعدة أولاد، وقد حققَتْ نجاحًا كبيرًا إذ تمكنت من حلّ أزمة صعبة جدًّا. سألتُها: ”قولي لي سيدتي، كيف استطعتِ أن تحلّي هذا الوضع الصّعب جدًّا؟“ بدأت تحرّك يديها هكذا بصمت، وقالت لي: ”كما نفعل نحن الأمهات“. للمرأة طريقتها الخاصّة في حلّ المشاكل، مختلفة عن طريقة الرجل. ولا بد أن تُعتمد الطريقتان: المرأة المساوية للرجل تعمل من أجل الخير العام بهذا الحدس الذي يميّز النساء. لقد رأيتُ في الفاتيكان أنّه في كلّ مرة تأتي فيه امرأة لتقوم بعمل ما، تتحسّن الأمور. على سبيل المثال إنّ نائبة حاكم دولة الفاتيكان (الأمينة العامة لحاكميّة دولة حاضرة الفاتيكان) هي امرأة، والأمور تغيّرت نحو الأفضل. مجلس الشّؤون الاقتصاديّة (كان) يعد ستة كرادلة وستة علمانيّين، جميعهم ذكور: أحدثتُ تغييرًا وكعلمانيّين عينتُ رجلًا وخمس نساء. هذا عبارة عن ثورة لأن النساء يعرفن كيف يجدن الطريق الصحيح، يعرفن كيف يسرن إلى الأمام. والآن عينتُ ماريانا ماتزوكاتو في الأكاديميّة البابويّة للحياة، وهي خبيرة اقتصاديّة كبيرة من الولايات المتّحدة، من أجل إضفاء طابع إنساني. النساء يقدمن ما عندهن. يجب ألّا يصرن مثل الرجال، لا، إنّهن نساء ونحن بحاجة لهن. والمجتمع الذي يُلغي النساء من الحياة العامّة مجتمع يصبح فقيرًا. يصبح فقيرًا. المساواة في الحقوق، نعم، لكن أيضًا المساواة في الفرص، والمساواة في التقدّم، وإلّا أصبحنا فقراء. أعتقد أنّني بهذه الطريقة أجبتكِ على ما ينبغي فعله على الصّعيد العالمي. والطّريق ما يزال طويلًا أمامنا، نظرًا للذكوريّة. أنا آتي من شعب ذكوري. نحن الأرجنتينيّون ذكوريون دائمًا. وهذا أمر سيئ! وعند الحاجة نذهب إلى الأمهات اللواتي يقدمن الحلول للمشاكل. لكن هذه الذكوريّة تقتل البشريّة. شكرًا على إعطائي فرصة الحديث عن هذا الأمر، الذي أحرص عليه كثيرًا. إنّنا نناضل ليس من أجل الحقوق فقط، لكن لأنّ ثمة حاجة إلى نساء في المجتمع يساعدننا، يساعدننا على التغيير. شكرًا.
ماتيو بروني
شكرًا يا صاحب القداسة. سؤال آخر يطرحه أنتونيو بلايو من Vida Nueva
أنتونيو بيلايو (Vida Nueva)
أيّها الأب الأقدس، في المرّة الوحيدة خلال الزيارة التي ارتجلتَ فيها الكلام تحدّثت عن ”أوكرانيا الجريحة“ وعن ”مفاوضات السّلام“. أودّ أن أسألك أن تقول لنا شيئًا عن سير المفاوضات من طرف الفاتيكان؛ وهناك سؤال آخر تعقيبًا: هل تحدّثت مؤخرًا مع بوتين أو تنوي أن تفعل ذلك قريبًا؟
البابا فرنسيس
حسنًا. قبل كلّ شيء الفاتيكان حذّر دومًا، أمانة سرّ الدولة تعمل، وتعمل بشكل جيّد. أعلم أنّ أمير السّرّ (دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول والمنظمات الدوليّة) المطران غالاغر يتحرّك بشكل جيّد. وهناك أيضًا ما حصل. ففي اليوم التالي لبداية الحرب – اعتقدتُ أنّ هذا أمر غير اعتيادي ولا يمكن أن يحصل – توجّهت إلى السّفارة الرّوسيّة (لدى الكرسي الرّسولي)، من أجل مخاطبة السّفير، الذي هو رجل طيّب، أعرفه منذ ست سنوات، منذ وصوله، إنّه ”إنساني“. أتذكّر ملاحظة قالها آنذاك ”لقد وقعنا في دكتاتوريّة المال“، في سياق حديثه عن التّحضر. إنّه إنساني، رجل يناضل من أجل المساواة. قلتُ له إنّي مستعد للذهاب إلى موسكو من أجل مخاطبة بوتين، إذا اقتضت الضّرورة ذلك. أجابني (وزير الخارجيّة) لافروف بشكل لائق جدًا: شكرًا لكن الأمر ليس ضروريًا في الوقت الراهن. منذ ذلك الحين استحوذ الوضع على اهتمامنا الكبير. تكلّمتُ على الهاتف ثلاث مرات مع الرئيس زيلينسكي؛ ثم مع السّفير الأوكراني عدّة مرات. ويتمّ السّعي إلى تحقيق التّقارب من أجل إيجاد حلّ. الكرسيّ الرسوليّ يقوم بواجبه، حتى فيما يتعلّق بالأسرى... إنّه واجب يفعله الكرسيّ الرسوليّ دائمًا. ثمّ هناك الحديث عن السّلام. إنّي متأثّر جدًّا بالقساوة – لذا استخدمت عبارة أوكرانيا الجريحة – وليست قساوة الشّعب الرّوسي، لأن الشّعب الرّوسي هو شعب عظيم، إنّها قساوة المرتزقة، الجنود الذين يخوضون الحرب كمن يخوض مغامرة: المرتزقة. أفكّر في الأمر على هذا النحو، لأنّي أكن تقديرًا كبيرًا للشّعب الرّوسي، للإنسانيّة الرّوسيّة. يكفي أن نفكّر في دوستويفسكي الذي يُلهمنا حتّى اليوم، يلهم المسيحيين على التّفكير في المسيحيّة. لدي محبّة كبيرة للشعب الرّوسي. ولدي محبة كبيرة للشّعب الأوكراني. عندما كنتُ في الحادية عشرة كان بقربنا كاهن أوكراني يحتفل (بالقداس) ولم يكن لديه من يخدم المذبح، وقد علّمني كيف أخدم القداس باللغة الأوكرانيّة. كلّ الترانيم الأوكرانيّة أجيدها بلغتهم، لأنّي تعلّمتها مذ كنت طفلًا، لذا إنّي أكنّ محبّة كبيرة لليتورجيا الأوكرانيّة. أنا موجود بين شعبَين أحبّهما. لكن ليس أنا فقط، فقد عقد الكرسيّ الرسوليّ العديد من اللقاءات الخاصّة، والعديد من الأشياء مع نتائج جيّدة. لأنّنا لا نستطيع أن ننكر أنّ الحرب، في البداية، ربما تجعلنا شجعان، لكنها بعد ذلك تتعبنا وتؤلمنا ونرى الشّرّ الذي تصنعه الحرب. هذا فيما يتعلَّق في الجزء الأكثر إنسانيّة والأقرب.
من ثمَّ أستفيد من هذا السّؤال، لأعبّر عن هذه الشّكوى: في قرن واحد، ثلاث حروب عالميّة في قرن واحد! حرب 1914-1918؛ وحرب 1939-1945 وهذه الحرب! لأن هذه حرب عالميّة. لأنّه صحيح أنّه عندما تضعف الإمبراطوريات من جانب أو من آخر، تحتاج عندئذ إلى شن الحرب لكي تشعر بالقوّة وكذلك لكي تبيع الأسلحة! لأنّني أعتقد اليوم أنّ الكارثة الكبرى في العالم هي صناعة الأسلحة. قالوا لي، لا أعرف هل هذا صحيح أم لا، إنّه لو لم يتمّ تصنيع الأسلّحة مدّة سنة واحدة، قد ينتهي الجوع في العالم. إنَّ صناعة السّلاح مريعة. قبل ثلاث أو أربع سنوات، جاءت سفينة مليئة بالأسلحة من بلد إلى جنوة، وكان عليهم أن يمرّروا الأسلحة على متن سفينة أكبر لنقلها إلى اليمن. ولكن رفض عمال جنوة في القيام بذلك... لقد كانت بادرة. اليمن: أكثر من عشر سنوات من الحرب. أطفال اليمن ليس لديهم طعام! والروهينجا الذين يعيشون ”مثل الرُّحَّل“، ويتنقلون من جانب إلى آخر لأنّهم طُردوا، وهم دائمًا في حالة حرب في ميانمار: ما يحدث هو أمر فظيع. الآن، آمل أن يتوقّف اليوم شيء في إثيوبيا، بمعاهدة... نحن في حالة حرب في كلّ مكان ولكننا لا نفهم ذلك. والآن تؤثّر علينا في أوروبا الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة تأثيرًا كبيرًا. لكن في كلّ مكان ومدة سنوات: في سوريا من 12 إلى 13 عامًا من الحرب، ولا أحد يعرف هل هناك أسرى وماذا يحدث هناك. ثمّ لبنان، وقد تحدثنا عن هذه المأساة... لا أعرف هل قلتها لكم عدة مرات: عندما ذهبت إلى ريديبوليا، في عام 2014 - وكان جدي قد شارك في حرب (Piave) البيافيه وأخبرني بما حدث هناك - رأيت تلك القبور، كلّهم شباب، لقد بكيت ولا أخجل من قول ذلك. ثمّ في الثاني من تشرين الثّاني/نوفمبر - أذهب دائمًا إلى المقبرة في الثاني من تشرين الثّاني/نوفمبر - ذهبت إلى أنزيو (Anzio)، بعد بضع سنوات، ورأيت قبر أولئك الشّباب الأمريكيّين، في إنزال أنزيو، أعمارهم 19، 20، 22، 23 سنة، وبكيت، حقًا، من عمق قلبي. وفكّرت في الأمهات، عندما يطرقون أبوابهنَّ: ”سيدتي، ظرف لكِ“. فيُفتح الظرف: ”سيدتي، يشرفني أن أخبرك أن لديك ابنًا هو بطل الوطن“. إنّها مآسي الحرب. ثمّ، هناك أمر، لا أريد أن أتحدث بالسّوء عن أيّ شخص، لكنّه أثّر في قلبي: عندما تمّ إحياء ذكرى إنزال النورماندي، كان هناك رؤساء العديد من الحكومات لإحياء هذه الذكرى. هذا صحيح، لقد كانت بداية سقوط النازيّة، هذا صحيح. لكن كم عدد الشّباب الذين بقوا على شاطئ النورماندي؟ يقال ثلاثين ألفًا. من يفكر في هؤلاء الشّباب؟ إنَّ الحرب تزرع كلّ هذا. لهذا السبب، أنتم الصحفيّين، من فضلكم كونوا دعاة سلام، تكلّموا علنًا ضد الحروب، وحاربوا ضد الحرب. أسألكم ذلك كأخ لكم. شكرًا.
ماتيو بروني
شكرًا يا صاحب القداسة على كلماتكم هذه، سؤال آخر يأتي من هوغ لوفيفر من I.Media، صحفي فرنسي.
هوغ لوفيفر (I.Media)
شكرًا أيهّا الأب الأقدس. لقد تحدّثتم هذا الصباح في خطابكم للإكليروس في البحرين عن أهميّة الفرح المسيحي، لكن نرى في الأيام الأخيرة أنّ المؤمنين الفرنسيّين الكثيرين فقدوا هذا الفرح عندما اكتشفوا في الصّحافة أنّ الكنيسة أبقت سرًّا لعام 2021 حكم أسقف متقاعد، ارتكب اعتداءات جنسيّة في التّسعينيات عندما كان كاهنًا؛ وعندما خرجت هذه القصة إلى الصّحافة، ظهر خمسة ضحايا جدّد. يريد العديد من الكاثوليك اليوم أن يعرفوا هل يجب المحافظة على ثقافة سرية العدالة الكنسيّة أم يجب أن تتغيّر وتصبح شفافة، وأودّ أن أعرف هل تعتقدون أنّه على العقوبات الكنسيّة أن تكون علنيّة. شكرًا لكم.
البابا فرنسيس
شكرًا لك على السّؤال، شكرًا لك. أودّ أن أبدأ ببعض التاريخ في هذا الشّأن. لطالما كانت مشكلة الانتهاكات موجودة وليس فقط في الكنيسة. في كلّ مكان. أنت تعلم أنّ 42-46٪ من الاعتداءات الجنسيّة تحدث في العائلة أو في الحيّ: وهذا أمر خطير. لكن كانت العادة دائمًا هي التغطية. في العائلة، حتى اليوم، تتمُّ تغطية كلّ شيء، وكذلك أيضًا في الحيّ تتمُّ تغطية كلّ شيء أو على الأقل تتمُّ تغطية معظم الأشياء. إنّها عادة سيئة بدأت تتغيّر في الكنيسة عندما ظهرت فضيحة بوسطن للكاردينال لاو، الذي كان كاردينالًا هناك وقد مات الآن. بسبب تلك الفضيحة، استقال الكاردينال لاو: لقد كانت المرّة الأولى التي تظهر فيها فضيحة مثل هذه. ومن هناك أدركت الكنيسة ذلك وبدأت تعمل، بينما تتمُّ تغطية الأمور عادة في المجتمع وكذلك في مؤسّسات أخرى.
عندما كان هناك لقاء لرؤساء مجالس الأساقفة، سألتُ اليونيسف، والأمم المتّحدة عن الإحصاءات وأعطيتهم النسب المئويّة: ما هي النسبة المئويّة في العائلات، وما هي في الأحياء - الأغلبيّة -، وكم هي في المدارس، وفي النشاطات الرياضيّة... إنّه شيء درسوه جيّدًا، وكذلك في الكنيسة. قد يقول أحدهم: ”نحن أقليّة“. لكن حتّى إذا كان هناك حالة واحدة فقط فهي مأساويّة، إنّها مأساويّة، لأنّك ككاهن لديك الدعوة لكي تنمِّيَ الأشخاص وأنت بهذا تدّمرهم. بالنسبة للكاهن، يشبه الأمر مخالفة طبيعته الكهنوتيّة، وكذلك مخالفة طبيعته الاجتماعيّة. هذا هو السبب في أنّها مأساوية ويجب ألّا نتوقّف في متابعتها، يجب ألّا نتوقّف.
في هذه اليقظة لإجراء التحقيقات والاتهامات، لم يكن الأمر دائمًا كما هو: إذ تمّ إخفاء بعض الأشياء. قبل فضيحة الكاردينال لاو في بوسطن كان يتمُّ تغيير الأشخاص... أمّا الآن فقد أصبح كلّ شيء واضحًا ونحن نسير قدمًا في هذا الموضوع. لذلك ينبغي ألّا نتفاجأ من ظهور مثل هذه الحالات. أو يتبادر إلى الذهن أسقف آخر... هناك حالات تعرفون ذلك وليس من السّهل أن نقول ”لم نكن نعرف“ أو ”كان الإخفاء ثقافة العصر ولا تزال الثّقافة الاجتماعيّة لكثيرين“. أقول لك هذا: إنَّ الكنيسة حازمة بهذا الشّأن، وأودّ أن أشكر هنا علنًا بطوليّة الكاردينال أومالي: إنّه راهب كبوشي صالح، رأى الحاجة إلى إضفاء الطّابع المؤسساتي على هذا العمل مع لجنة حماية القاصرين؛ وهو يقوم بذلك بشكل جيّد، وهو يساعدنا جميعًا ويمنحنا الشّجاعة.
نحن نعمل بكلّ ما في وسعنا، لكن أعلم أنّ هناك أشخاصًا داخل الكنيسة لا يزالون لا يرون ذلك بوضوح، ولا يشاركون هذا الرأي: ”دعونا ننتظر قليلًا، لنرى...“. إنّها عمليّة نقوم بها بشجاعة وليس لدينا جميعًا الشّجاعة. في بعض الأحيان، تأتيك تجربة المساومة، ونحن جميعًا عبيد لخطايانا. لكن إرادة الكنيسة هي توضيح كلّ شيء.
على سبيل المثال: في الأشهر القليلة الماضيّة تلقيت شكويَيْن لانتهاكات تمّ التستر عليها ولم يتمّ الحكم عليها بشكل جيّد من قبل الكنيسة. على الفور قلت: فلتتمّ الدراسة مرّة أخرى، ونحن في صدد أن تصدر أحكامًا جديدة. هذا أيضًا: مراجعة الأحكام القديمة التي لم يتمَّ القيام بها بشكل جيّد. نحن نفعل ما في وسعنا، نحن خطأة. وأوّل شيء يجب أن نشعر به هو الخجل، الخجل العميق لهذه الأمور. أعتقد أنّ الخجل هو نعمة، يمكننا أن نحارب جميع شرور العالم ولكنّنا لن نتمكّن من ذلك بدون الخجل. لهذا السبب أدهشني ما كان يطلبه القدّيس إغناطيوس، في الرّياضة الرّوحيّة، أن تطلب المغفرة عن الذنوب التي ارتكبتها، وأن تشعر بالخجل، وإذا لم تكن لديك نعمة الخجل فلا يمكنك الاستمرار. من إحدى الإهانات التي لدينا في بلادي هي أن تقول لشخص ما ”أنت شخص بلا خجل“، وأعتقد أنّ الكنيسة لا يمكنها أن تكون ”بلا خجل“، وأنّه عليها أن تخجل من الأشياء السيئة، كما عليها بالتأكيد أن تشكر الله على الأشياء الجيّدة التي تقوم بها. ولكن يجب أن أقول لك هذا: نحن لدينا حسن النية ونسير قدمًا، بمساعدتكم أيضًا.
ماتيو بروني
شكرًا يا صاحب القداسة، السّؤال الآخر يأتي من فانيا دي لوكا من إذاعة الـ Rai
فانيا دي لوكا (Rai-Tg3)
أيّها الأب الأقدس. لقد تحدّثتم خلال هذه الأيام أيضًا عن المهاجرين. أربع سفن قبالة سواحل صقلية، وعلى متنها مئات النساء والرجال والأطفال الذين يواجهون صعوبات، لكن لا يمكنهم جميعًا النزول. هل تخشون عودة سياسة ”الموانئ المغلقة“ من قبل يمين الوسط إلى إيطاليا؟ وكيف تقيّمون موقف بعض دول شمال أوروبا من هذا؟ ومن ثمَّ، أردت أيضًا أن أسألكم بشكل عام: ما هو انطباعكم، وما هو رأيكم في الحكومة الإيطاليّة الجديدة، التي تقودها امرأة لأوّل مرة؟
البابا فرنسيس
إنّه تحدٍّ، إنّه تحدٍّ، فيما يختص بالمهاجرين. إنَّ المبدأ للمهاجرين: يجب استقبال المهاجرين ومرافقتهم وتعزيزهم وإدماجهم. إذا تعذر القيام بهذه الخطوات الأربع، فلن يكون العمل مع المهاجرين جيّدًا. يجب استقبال المهاجرين ومرافقتهم وتعزيزهم وإدماجهم: وصولًا إلى الإدماج. والشيء الثّاني الذي أقوله: يجب أن تتفق حكومات الاتحاد الأوروبي على عدد المهاجرين الذين يمكنها استقبالهم. لأنّ هناك فقط أربع دول تستقبل المهاجرين: قبرص واليونان وإيطاليا وإسبانيا، لأنّها الأقرب في البحر الأبيض المتوسط. هناك بعض المناطق الداخليّة أيضًا، مثل بولندا وبيلاروسيا... لكن معظم المهاجرين يأتون من البحر، وعلينا أن ننقذ الحياة! اليوم، كما تعلمون، أصبح البحر الأبيض المتوسط مقبرة، وربما أكبر مقبرة في العالم.
أعتقد أنّني أخبرتكم في المرّة الماضيّة أنّني قرأت كتابًا باللغة الإسبانيّة بعنوان Hermanito، إنّه كتاب صغير، يمكنكم قراءته بسرعة، وأعتقد أنّه قد تمّت ترجمته بالتأكيد إلى الفرنسيّة والإيطاليّة أيضًا. يمكنكم قراءته بسرعة، في غضون ساعتين. إنّها قصة صبي من إفريقيا، لا أعرف، هل هو من تنزانيا أو من مكان آخر. سار على خطى شقيقه، ووصل إلى إسبانيا. وقد عانى خمس عبوديات قبل أن يُبحر! ويقول إنّ أشخاصًا كثيرين كانوا يُؤخذون إلى القوارب ليلًا - وليس إلى السفن الكبيرة التي لها دور آخر - وإذا رفضوا الصّعود: كانوا يقتلونهم ويتركونهم على الشّاطئ. إنّها دكتاتوريّة حقيقيّة، هذه العبوديّة التي يقوم بها هؤلاء الأشخاص (الذين يتاجرون بالبشر). ثمّ، هناك خطر الموت في البحر. إذا كان لديكِ الوقت إقرائي هذا الكتاب، إنّه مهمّ.
يجب أن يتمّ الاتفاق على سياسة التّعامل مع المهاجرين بين جميع البلدان: لا يمكن وضع سياسة دون موافقة، ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يتبنى سياسة تعاون ومساعدة، ولا يمكنه أن يترك لقبرص واليونان وإيطاليا وإسبانيا مسؤوليّة جميع المهاجرين الذين يصِلُون إلى الشّواطئ. كانت سياسة الحكومات حتّى الآن إنقاذ الأرواح، وهذا صحيح. وقد تمّ القيام بذلك إلى حد معين؛ وأعتقد أنّ هذه الحكومة [الإيطاليّة] لديها السّياسة عينها، لا أعتقد أنّها غير إنسانيّة... لا أعرف التفاصيل، لكنّني لا أعتقد أنّها تريدهم أن يرحلوا. أعتقد أنّهم قاموا بإنزال الأطفال والأمهات والمرضى، وأعتقد أنّهم أنزلوهم - أعتقد، مما سمعته. على الأقل كان هناك النية. إنَّ إيطاليا، لنفكر هنا، هذه الحكومة، أو حتى حكومة اليسار، لا يمكنها أن تفعل شيئًا بدون الاتفاق مع أوروبا، إنَّ المسؤوليّة هي أوروبيّة.
ومن ثمَّ، أودّ أن أذكر شيئًا، مسؤوليّة أوروبيّة أخرى: أفريقيا. أعتقد أنّ هذا ما قالته ميركل، إحدى أعظم نساء الدولة لدينا، والتي قالت إنّ مشكلة المهاجرين يجب أن تُحَلَّ في أفريقيا. ولكن إن فكرنا في إفريقيا تحت شعار ”يجب استغلال إفريقيا“، فمن المنطقي أن يهرب المهاجرون والناس من هذا الاستغلال. علينا، وعلى أوروبا أن تسعى لوضع خطط تنمية لأفريقيا. لنفكّر في أنّ بعض البلدان في إفريقيا ليست سيّدة على أرضها ولا تزال تعتمد على القوى الاستعماريّة! من المرائي أن نحلّ مشكلة المهاجرين في أوروبا، لا، علينا أن نذهب ونحلّها في وطنهم أيضًا. إنّ استغلال الناس في إفريقيا هو أمر مروع بسبب هذا المفهوم. في الأوّل من تشرين الثّاني/نوفمبر، في عيد جميع القدّيسين، كان لي لقاء مع طلاب جامعيّين من إفريقيا، كاللقاء الذي كان لي مع طلاب من جامعة لويولا في الولايات المتّحدة. هؤلاء الطلاب لديهم القدرة، والذكاء، والرّوح النقديّة، والرّغبة في المضيِّ قدمًا! لكن في بعض الأحيان لا يمكنهم ذلك بسبب القوّة الاستعماريّة التي تمتلكها أوروبا تجاه حكوماتهم. لذلك إن أردنا حلّ مشكلة المهاجرين بشكل نهائي، علينا أن نحلَّ مشكلة إفريقيا. إنّ عدد المهاجرين القادمين من مناطق أخرى هو أقل بكثير؛ لذلك لنذهب إلى أفريقيا، لنساعد أفريقيا، ولنمضِ قدمًا.
إنَّ الحكومة الجديدة تبدأ الآن، وأنا هنا لأتمنى لهم الأفضل. أتمنى دائمًا الأفضل لكلّ حكومة لأنّ الحكومة هي للجميع. وأتمنّى لها كلّ التوفيق لكي تتمكّن من أن تسير بإيطاليا إلى الأمام؛ وللآخرين، الذين يعارضون الحزب الفائز، فليتعاونوا بالنقد وبالمساعدة، ولكن ليكونوا حكومة تعاون، وليس حكومة تدير لك ظهرها وتجعلك تسقط إن لم يعجبك شيء أو آخر. من فضلكم، أدعوكم إلى المسؤوليّة بهذا الصّدد. قولي لي: هل من المنطق أن يكون لدى إيطاليا عشرون حكومة منذ بداية القرن إلى اليوم؟ لنتوقّف عن هذه الدعابات!
ماتيو بروني
السّؤال الأخير، من لودفيغ رينغ إيفل، من وكالة الأنباء الكاثوليكيّة الألمانيّة.
لودفيغ رينغ إيفل(Centrum informationis Catholicum)
أودّ أوّلًا أنا أيضًا أن أقول شيئًا شخصيًا، لأنّني أشعر بالحماس الشّديد، لأنّه بعد وقفة استمرت ثماني سنوات، عدت مجدّدًا على متن طائرة الأب الأقدس وأنا ممتن جدًّا لوجودي هنا مجدّدًا.
البابا فرنسيس
أهلًا بك!
لودفيغ رينغ إيفل
شكرًا. نحن في المجموعة الألمانيّة قليلون، ثلاثة فقط في هذه الرحلة، وقد فكّرنا: كيف يمكننا أن نربط بين ما رأيناه في البحرين والوضع في ألمانيا؟ لأنّنا في البحرين رأينا كنيسة صغيرة، قطيعًا صغيرًا، كنيسة فقيرة، وقيود كثيرة، وما إلى ذلك، ولكن كنيسة حيويّة، مليئة بالرّجاء وتنمو. في ألمانيا، لدينا كنيسة كبيرة، ولها تقاليد عظيمة، غنيّة باللاهوت والمال وكلّ شيء، ولكنّها تخسر كلّ عام ثلاثمائة ألف مؤمن يتركونها، وهي في أزمة عميقة. هل هناك شيء نتعلّمه من هذا القطيع الصّغير الذي رأيناه في البحرين لألمانيا العظيمة؟
البابا فرنسيس
إنَّ ألمانيا لديها تاريخ ديني قديم. نقلًا عن هولدرلين يمكنني أن أقول: "Vieles haben sie verlernt، vieles" (فقدتم كثيرًا ممّا تعلمتموه). إنَّ تاريخكم الديني عظيم ومعقّد، ومليء بالصّراعات. أقول للكاثوليك الألمان: يوجد في ألمانيا كنيسة إنجيليّة رائعة وجميلة. لكنّني لا أريد واحدة أخرى، لن تكون جيّدة مثل تلك الموجودة. أنا أريدها كاثوليكيّة، مثل كلّ كنيسة كاثوليكيّة، في أخوّة مع الكنيسة الإنجيليّة. أحيانًا نفقد حس الشّعب، شعب الله المقدّس والأمين، ونضيع في مناقشات أخلاقيّة، ومناقشات في الظروف الراهنة، ومناقشات سياسيّة كنسية، ومناقشات هي نتائج لاهوتيّة، ولكنّها ليست جوهر اللاهوت. ماذا يفكّر شعب الله المقدّس والأمين؟ كيف يشعر شعب الله المقدّس؟ علينا أن نذهب إلى هناك لنرى ما يفكّر به، وكيف يشعر، إلى ذلك التديُّن البسيط الذي نجده في الأجداد. أنا لا أقول أن نعود إلى الوراء، لا، وإنّما إلى مصدر الإلهام، إلى الجذور. لدينا جميعًا تاريخ لجذور الإيمان، والشّعب أيضًا له جذور إيمان: علينا أن نكتشفه مجدّدًا! تبادر إلى ذهني تلك العبارة التي كتبها هولدرلين عن عصرنا: "was er als Knabe gelobt Dass dir halte der Mann" (ليحافظ الرجل على ما وعد به عندما كان طفلًا) في طفولتنا وفي رجائنا وعدنا بأشياء كثيرة. أمّا الآن فننجرّ في مناقشات أخلاقيّة، في نقاشات ظرفية... لكن أصل الدين هو ”الصفعة“ التي يعطيك إياها الإنجيل، اللقاء مع يسوع المسيح الحيّ: ومن هناك العواقب كلّها، والشّجاعة الرّسوليّة، والذهاب إلى الأطراف، وحتى في الأخلاقيّات، لكي نساعد الناس، ولكن دائمًا انطلاقًا من اللقاء مع يسوع المسيح. إذا لم يكن لقاء مع يسوع المسيح، فستكون هناك أخلاقيّة متنكرة في زي المسيحيّة. هذا ما أردت قوله من قلبي. شكرًا.
أتمنّى لكم غداءً جيّدًا ووصولًا موفقًا إلى روما. وأطلب منكم أن تصلّوا من أجلي. وأنا سأصلّي من أجلكم. شكرًا لتعاونكم.
*******
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022
Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana