الزيارة الرّسوليّة إلى لوكسمبورغ وبلجيكا
كلمة قداسة البابا فرنسيس
في اللقاء مع الجماعة الكاثوليكيّة
في كاتدرائيّة السّيّدة - لوكسمبورغ
26 أيلول/سبتمبر 2024
___________________________
كلام ارتجالي لقداسة البابا
بعد إلقاء شهادات الحياة المسيحيّة أمامه
في اللقاء مع الجماعة الكاثوليكيّة
أودّ أن أتناول ما قالته هذه السّيّدة في مأساة الهجرة. لا ننسَ العبارة المكرّرة التي في الكتاب المقدّس، في العهد القديم، تعود وتتكرّر: الأرملة واليتيم والغريب.
يقول الله في العهد القديم، أشفقوا على المتروكين. في ذلك الوقت، كانت الأرامل متروكات، والأيتام أيضًا، والغرباء والمهاجرون. المهاجرون يدخلون ضمن ما أوحى به الله. شكرًا جزيلًا لشعب وحكومة لوكسمبورغ على ما يفعلونه من أجل المهاجرين، شكرًا!
* * *
صاحب السّمو الملكيّ،
نيافة الكاردينال والإخوة الأساقفة،
والأخوات العزيزات، والإخوة الأعزّاء،
أنا سعيد جدًّا لوجودي هنا معكم في هذه الكاتدرائيّة الجميلة. أشكر الدّوق الكبير وعائلته على حضورهم، وأشكر الكاردينال جان-كلود هولّليرخ (Jean-Claude Hollerich) على كلماته الطّيّبة، كما أشكر ديوغو (Diogo) وكريستين والرّاهبة الأخت ماريا بيربيتوا (Maria Perpetua) على شهاداتهم.
ينعقد لقاؤنا بالتّزامن مع يوبيل مريمي كبير، تذكر فيه كنيسة لوكسمبورغ أربعة قرون من التّكريم لسّيّدتنا مريم العذراء، معزيّة الحزانى، شفيعة البلاد. ويتفق مع هذا اللقب الموضوع الذي اخترتموه لهذه الزّيارة: ”للخدمة“. في الواقع، التعزية والخدمة هما وجهان أساسيان للمحبّة التي أحبَّنا بها يسوع، والرّسالة التي كلّفنا بها (راجع يوحنّا 13، 13-17)، والتي دلَّنا عليها على أنّها الطّريق الوحيد للفرح الكامل (راجع أعمال الرّسل 20، 35). ولهذا، بعد قليل، في الصّلاة الافتتاحيّة للسنة المريميّة، سنطلب من والدة الإله أن تساعدنا على أن نكون "مرسَلِين، مستعدّين للشهادة لفرح الإنجيل"، وأن نجعل قلوبنا مثل قلبها "فنضع أنفسنا في خدمة إخوتنا". ثمّ يمكننا أن نتوقّف ونتأمّل في هذه الكلمات الثّلاث: الخدمة والرّسالة والفرح.
أوّلًا، الخدمة. سمعنا قبل قليل أنّ كنيسة لوكسمبورغ تريد أن تكون ”كنيسة يسوع المسيح، الذي لم يأت ليُخدم، بل ليَخدُم“ (راجع متّى 20، 28؛ مرقس 10، 45). وتمّ التّذكير أيضًا بصورة القدّيس فرنسيس وهو يحتضن الأبرص ويعالج جراحه. أنا، من حيث الخدمة، أودّ أن أوصيكم بأمر مُلِحٍّ جدًّا اليوم: وهو الاستقبال. أفعل ذلك هنا، بينكم، بطريقة خاصّة، لأنّ في بلدكم تقليدًا عريقًا منذ قرون ولا يزال حيًّا، في هذا المجال، كما ذكّرتنا الأخت ماريا بيربيتوا، وكما جاء عدّة مرات، أيضًا في شهادات أخرى، في الصّرخة: ”الجميع، الجميع، الجميع!“ وقد تكرّرت في مناسبات مختلفة. نعم، إنّ روح الإنجيل هو روح الاستقبال والانفتاح على الجميع، ولا يسمح بأيّ نوع من الإقصاء (راجع الإرشاد الرّسولي، فرح الإنجيل، 47). لذلك، أشجعكم على البقاء مخلصين لإرثكم هذا، وغِناكم، والاستمرار في جعل بلدكم موطنًا صديقًا لكلّ من يطرق بابكم طالبًا المساعدة والضّيافة.
وهذا عدل قبل أن يكون واجب محبّة، كما قال القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني وهو يذكِّر بالجذور المسيحيّة للثقافة الأوروبيّة، وشجّع شباب لوكسمبورغ على رسم الطريق نحو "أوروبا لا تسعى فقط للخيرات الماديّة، بل أيضًا للقِيَم والإنسان والقلوب"، حيث تتِمُّ مشاركة الإنجيل "في كلام البشارة وفي أعمال المحبّة" (كلمة إلى شباب دوقية لوكسمبورغ الكبرى، 16 أيّار/مايو 1985، 4). كِلا الأمرَين. وأنا أؤكِّد على ذلك لأنّه مهمّ: أوروبا، وعالم، حيث يتمّ مشاركة الإنجيل في كلام البشارة وفي أعمال المحبّة.
وهذا يقودنا إلى الموضوع الثّاني: الرّسالة. تحدّث الكاردينال رئيس الأساقفة منذ قليل قال ”إنّ كنيسة لوكسمبورغ تطوّرت في مجتمع صار علمانيًّا“. أعجبني هذا التّعبير: الكنيسة، في مجتمع علماني، تتطوّر وتنضج وتنمّو. إنّها لا تنطوي على نفسها، حزينة، مستسلمة، مستاءة، لا، بل تقبل التّحديات، أمينة للقِيَم الدّائمة، لإعادة اكتشاف وإعادة تقييم طرق البشارة بطريقة جديدة، فتنتقل بصورة متزايدة من نهج العمل الرّعويّ التّقليدي إلى نهج البشارة الإرساليّ، وهذا الأمر يحتاج إلى شجاعة. وللقيام بذلك، فهي مستعدّة للتطوّر: على سبيل المثال، كما ذكّرتنا كريستين، في تقاسم المسؤوليات والخدمات، والسّير معًا كجماعة تُعلن وتجعل من السّينوديّة ”وسيلة دائمة للتواصل“ بين أعضائها.
وقد عرَض علينا الشّباب الذين قاموا قبل قليل بأداء بعض المشاهد من المسرحيّة الموسيقيّة ”كُنْ مُسَبَّحًا“ (Laudato si’)، قيمة هذا النّمّو. أحسنتم! شكرًا على هذه الهديّة التي قدّمتموها لنا! عملكم هو نتيجة جهد جماعي شارك فيه الكثيرون في الأبرشيّة، وهو علامة نبويّة مضاعفة لنا جميعًا! إنّه يذكِّرنا أوّلاً بمسؤولياتنا تجاه ”البيت المشترك“ الذي نحن حرّاسه، ولسنا أسياده المستبدّين. ثمّ إنّ نداء البيئة يجعلنا أيضًا نفكّر كيف أنّ هذه الرّسالة، التي نعيشها معًا، هي في حدّ ذاتها عمل جماعيّ مثل عمل جوقة رائع، يبيِّن للجميع جمال الإنجيل. وهذا مهمّ بالنّسبة لنا كلّنا: إنّ ما يدفعنا إلى الرّسالة، في الواقع، ليس الحاجة إلى ”زيادة أعدادنا“، والقيام ”بالبحث عن أتباع“، بل ما يدفعنا هي الرّغبة في تعريف أكبر عدد ممكن من الإخوة والأخوات على الفرح النّاجم من اللقاء مع المسيح. وهنا أودّ أن أذكر تعبيرًا جميلًا للبابا بندكتس السّادس عشر: "الكنيسة لا تنمو بالبحث عن أتباعٍ لها، بل تنمو بجذب النّاس إليها".
فمع الصّعوبات، تأتي ديناميكيّة الرّوح القدس الحيّة العامل فينا! يدفعنا الحبّ إلى إعلان الإنجيل من خلال الانفتاح على الآخرين، وتحدّي الإعلان يجعلنا ننمّو كجماعة، فيساعدنا على التّغلّب على الخوف من اتّباع طرق جديدة، ويدفعنا إلى التّرحيب شاكرين بمساهمة الجميع. إنّها ديناميكيّة جميلة وصحيّة ومبهجة، والتي من شأنها أن تفيدنا في تنمّيتها داخل أنفسنا ومن حولنا.
وهكذا نأتي إلى الكلمة الثّالثة: الفرح. ديوغو، في معرض حديثه عن خبرة اليوم العالمي للشبيبة، استذكر السّعادة التي شعر بها عشيّة الاحتفال، عندما كان ينتظر، مع أقرانه من كلّ أصل وأمّة، لحظة لقائنا، وكذلك شعور الاستيقاظ في الصّباح التالي، مُحاطًا بالعديد من الأصدقاء؛ ثمّ الحماس الذي شعرنا به أثناء التّحضير الذي قمنا به معًا في البرتغال والفرحة، بعد عام، في لقائنا من جديد مع الآخرين هنا في لوكسمبورغ. هل ترون؟ هذا هو إيماننا: إنّه فرح، إنّه قلوب ترقص، لأنّ الحدث يقول لنا إنّنا أبناء الله محِبِّ البشر، والذي يريدنا سعداء ومتّحدين، وأكبر سعادة له هي خلاصنا (راجع لوقا 15، 4-32؛ القدّيس غريغوريوس الكبير، عظات عن الأناجيل، 34، 3). وفي هذا الموضوع، من فضلكم: المسيحيّون الحزينون، والمملّون، والعابسون يؤذون الكنيسة. لا، هؤلاء ليسوا مسيحيّين. من فضلكم، ليكن لديكم فرح الإنجيل: هذا يجعلنا نؤمن وننمو كثيرًا.
في هذا الصّدد، أودّ أن أختتم بالتّذكير بتقليد جميل آخر في بلدكم، والذي كلَّموني عنه، وهو ”موكب الرّبيع“ (Springprozession)، الذي يقام في إخترناخ (Echternach) في عيد العنصرة، تخليدًا لذكرى عمل البشارة التي قام بها القدّيس ويليبرورد (Willibrord)، مبشِّرُ هذه الأراضي. تتدفّق المدينة بأكملها رقصًا في الشّوارع والسّاحات، مع الحجّاج الكثيرين والزوار الذين يأتون، ويتحوّل الموكب إلى رقصة كبيرة وفريدة من نوعها. لنتذكّر أنّ الملك داوود كان يرقص أمام الرّبّ الإله وهذا تعبير عن الأمانة. صغار وكبار يرقصون معًا سائرين نحو الكاتدرائيّة - وعلِمت أنّ هذه السّنة كان ذلك تحت المطر – فكان الجميع يشهدون بحماس، في ذكرى الرّاعي القدّيس، كم هو جميل أن نسير معًا ونجد أنفسنا جميعًا إخوة حول مائدة ربّنا وإلهنا. وهنا، أودّ أن أقول كلمة صغيرة فقط: من فضلكم، لا تفقدوا قدرتكم على المغفرة. أنتم تعلمون أنّنا كلّنا علينا أن نغفر، ولكن هل تعرفون لماذا؟ لأنّنا كلّنا غُفِرَ لنا وكلّنا بحاجة إلى المغفرة.
أيّتها الأخوات، أيّها الإخوة الأعزّاء، إنّ الرّسالة التي أوكلها إلينا الرّبّ جميلة، وهي التعزية والخدمة، على مثال مريم وبمساعدتها. شكرًا لكم أيّها المكّرسون والمكرّسات، على العمل الذي قمتم به، والإكليريكيّون والكهنة، كلّكم، وأيضًا على المساعدة السّخيّة التي أردتم تقديمها للمحتاجين. حيث يوجد المحتاج، هناك يكون المسيح. أبارككم وأُصلّي لأجلكم. وأنتم أيضًا، من فضلكم، صلُّوا لأجلي. شكرًا.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2024
Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana