الزيارة الرّسوليّة إلى البرتغال
في مناسبة اليوم العالمي للشّبيبة
كلمة قداسة البابا فرنسيس
في اللقاء مع مُمثّلي بعض مراكز الإغاثة والإعانة والمحبّة
في مركز سيرافينا الرّعوي - لشبونة
الجمعة 4 آب/أغسطس 2023
________________________________________
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
أشكر كاهن الرّعية على كلماته وأحيّيكم جميعًا، ولاسيّما أصدقاء مركز سيرافينا الرّعوي، وبيت عائلة مساعدة الأطفال (Ajuda de Berço)، وجمعيّة Acreditar. وأشكر كلماتكم التي بيَّنت العمل الذي تقومون به، شكرًا! حسنٌ أن نكون هنا معًا، في لقاء اليوم العالمي للشّبيبة، بينما ننظر إلى مريم العذراء التي قامت وذهبت لتساعد. في الواقع، المحبّة هي أصل وهدف المسيرة المسيحيّة، وحضوركم، أنتم واقع نراه، أنتم ”المحبّة التي تعمل“، يساعدنا على ألّا ننسى اتجاهنا ومعنى ما نعمله دائمًا. أشكركم على شهاداتكم، وأريد أن أركِّز على ثلاثة أوجه فيها: عمل الخير معًا، والعمل بصورة واقعيّة، وأن تكونوا قريبين من الضّعفاء. أيْ، عمل الخير معًا، والعمل بصورة واقعيّة، ليس فقط مع الأفكار، بل بصورة واقعيّة، أن تكونوا قريبين من الضّعفاء.
أوّلًا: عمل الخير معًا. ”معًا“ هي الكلمة المفتاح التي تكرّرت عدّة مرات في المداخلات. أن نعيش ونساعد ونحبّ معًا: الشّباب والبالغين، الأصحاء والمرضى، معًا. قال لنا جُوَان (João) شيئًا مهمًا جدًّا: يجب ألّا نسمح بأن يحدِّدَنا المرض، بل نجعله جزءًا حيًّا من المساهمة التي نقدّمها للجميع معًا، للجماعة. هذا صحيح: يجب ألّا نترك أنفسنا ”تُعَرَّف“ انطلاقًا من المرض أو المشاكل، لأنّنا لسنا مرضًا أو مشكلة: كلّ واحد منّا هو عطيّة، عطيّة فريدة بالرّغم من حدودنا، ولكن عطيّة ثمينة ومقدّسة لله، وللجماعة المسيحيّة وللجماعة البشريّة. وهكذا، كما نحن، نُغنِي الجماعة ونترك الجماعة تُغنينا.
ثانيًا: العمل بصورة واقعيّة. هذا مهمّ أيضًا. وكما ذكّرنا الأب فرنسيسكو، نقلًا عن القدّيس يوحنا الثّالث والعشرين، فإنّ الكنيسة ليست متحفًا للآثار. البعض يفكّر أنّها متحفًا للآثار، لكنّها ليست كذلك. إنّها نبع القرية القدّيم الذي يعطي الماء لأجيال اليوم، كما سيعطيها لأجيال المستقبل (راجع عظة في صلاة الليتورجيّة البيزنطيّة السّلافيّة لتكريم القدّيس يوحنا الذّهبي الفم، 13 تشرين الثّاني/نوفمبر 1960). النّبع يخدم ليُطفئ عطش الأشخاص الذين يصِلُون مع أحمال السّفر أو الحياة وهي واقعيّة. الواقعيّة، أيّ الانتباه إلى الأمور كما هي ”هنا والآن“، وهذا ما تفعلونه أصلًا، مع الاهتمامّ بالتّفاصيل ومع الحس العمليّ، وهي فضائل جميلة تميِّز الشّعب البرتغالي.
عندما لا نضيّع الوقت في الشّكوى من الواقع، بل نهتمّ بمواجهة الاحتياجات العمليّة، بفرح وثقة بالعناية الإلهيّة، تحدث أمور عجيبة. الواقع يشهد على قصتكم: من لقاء مع نظرة رجل في الشّارع متقدّم في السّن، ينشأ مركز محبّة لكلّ الحاجات، مثل المركز الذي نحن فيه. ومن تحدٍ أخلاقيّ واجتماعيّ، تنشأ ”الحملة من أجل الحياة“، جمعيّة تساعد الأمهات الحوامل والعائلات والأطفال والفتيان والشّباب الذين يواجهون الصّعوبات، حتى يتمكّنوا من إيجاد مشروع حياة آمنة، كما قالت لنا ساندرا. ومن خبرة المرض، تنشأ جماعةٌ مسانِدة للذين يواجهون المعركة مع السّرطان، وخاصّة الأطفال، وكما قال جُوان (João)، "حتّى يصير لهم العلاج المتطوّر وأفضل نوعيّة للحياة حقيقة وواقعًا". شكرًا على ما تصنعونه! استمرّوا في الوداعة واللطف واتركوا الواقع يسألكم، بكلّ ما فيه من فقر قديم وجديد، وأجيبوا عليه بشكل عمليّ، بإبداع وشجاعة.
الوجه الثّالث: كونوا قريبين من الضّعفاء. كلّنا ضعفاء ومحتاجون، لكن نظرة الإنجيل المليئة بالرّأفة تقودنا إلى أن نرى احتياجات الذين هم أكثر حاجةً منّا. وإلى أن نخدم الفقراء، أعزّاء الله الذي افتَقَرَ لأجلنا (راجع 2 قورنتس 8، 9): الفقراء المستبعدين، والمهمّشين، والمنبوذين، والصّغار، والذين لا حامِيَ لهم. إنّهم كنز الكنيسة، وهم المفضّلون لدى الله! ولنتذكّر هذا: ألّا نفرِّق بينهم. في الواقع، بالنسبة للمسيحيّ، لا توجد أفضليّات أمام المحتاجين الذين يطرقون الباب: مواطنين أم غرباء، ينتمون إلى مجموعة أو أخرى، شبابًا أو كبارًا في السّن، نعطف عليهم أو ننفر منهم...
وبالحديث عن أعمال المحبّة، أودّ الآن أن أَروِيَ لكم قصة، خصّوصًا لكم أنتم الأطفال، لرّبما لا تعرفونها. إنّها قصة شاب برتغالي، حدثت حقيقة، عاش منذ زمن بعيد. كان اسمه جوفاني سيوداد وكان يقيم في ”مونتيمور-أُو-نوفو“. كان يحلم بحياة مليئة بالمغامرات. وهكذا، عندما كان شابًا، ترك بيته بحثًا عن السّعادة. ووجدها بعد سنوات كثيرة ومغامرات عديدة، عندما التقى بيسوع. وكان سعيدًا جدًّا بهذا الاكتشاف حتّى أنّه قرّر تغيّير اسمه، ومنذ ذلك الحين، لم يَعُدْ يُسَمِّي نفسه جوفاني سيوداد، بل جوفاني لله (Giovanni di Dio). وصنع شيئًا جريئًا: ذهب إلى المدينة وأخذ يتسوّل في الشّوارع ويقول للنّاس: "اصنعوا الخير، إخوتي، لأنفسكم!". هل فهمتم؟ كان يطلب الصّدقة لنفسه، لكنّه كان يقول للذين يعطونه إنّهم، بمساعدته، كانوا في الواقع يساعدون أنفسهم أوّلًا وقبل كلّ شيء! وأوضح أنّ أعمال المحبّة هي عطيّة أوّلًا لمن يعطيها، قبل أن تكون عطيّة للذين يقبلونها. لأنّ كلّ ما تخزنه لنفسك يضيع، بينما ما تقدّمه بدافع الحبّ لن يضيع أبدًا، بل يكون كنزنا في السّماء.
ولهذا كان يقول: "اصنعوا الخير، إخوتي، لأنفسكم". والمحبّة لا تجعلك سعيدًا في السّماء فقط، بل تجعلك سعيدًا هنا على الأرض أيضًا، لأنّها توسّع قلبك وتسمح لك بـأن ترحّب بمعنى الحياة. إن أردنا أن نكون سعداء حقًا، فلنتعلّم أن نحوّل كلّ شيء إلى محبّة، فنقدّم عملنا ووقتنا للآخرين، ونقول كلامًا لطيفًا ونقوم بأعمال صالحة، بابتسامة، بعناق، وإصغاء، ونظرة. أيّها الشّباب الأعزّاء، الإخوة والأخوات، لنعش هكذا! يمكننا جميعًا أن نقوم بهذا وكلّنا بحاجة إليه، هنا وفي كلّ مكان في العالم.
هل تعلَمون ماذا حدث لجوفاني بعد ذلك؟ لم يفهمه النّاس! ظنّوا أنّه مجنون وحبسوه في مصحّة. لكنّه لم يُصَب بالإحباط، لأنّ الحبّ لا يستسلِم، ولأنّ الذي يتبع يسوع لا يفقد السّلام ولا يأخذ بالبكاء على نفسه. وهناك، في المصحّة، وهو يحمل الصّليب، جاءه إلهام من الله. أدرك جوفاني كم يحتاج المرضى إلى المساعدة، وعندما تركوه يخرج أخيرًا، بعد بضعة أشهر، بدأ يعتني بهم مع رفاق آخرين، وأسّس رهبنة: ”رهبان المستشفيّات“ (Fratelli Ospedalieri). لكن البعض بدأ بتسميتهم بطريقة أخرى، وبالتّحديد بحسب كلمات ذلك الشّاب الذي كان يقول للجميع: ”اصنعوا الخير يا إخوتي“ / “Fate-del-bene-fratelli”. في روما نُطلِقُ عليهم اسم: ”“Fatebenefratelli. يا له من اسم جميل، يا له من تعلِيم مهمّ! مساعدة الآخرين هي عطيّة بحدّ ذاتها وتفيد الجميع. نَعم، الحبّ عطيّة للجميع! لنتذكّر: ”الحبّ عطيّة للجميع“. لنكرّر ذلك معًا: ”الحبّ عطيّة للجميع“.
لنحبّ بعضنا بعضًا بهذه الطّريقة! استمرّوا في جعل الحياة عطيّة حبّ وفرح. أشكركم وأسألكم جميعًا، وعلى وجه الخصّوص الأطفال، أن تواصلوا الصّلاة من أجلي. شكرًا!
***********
(كلام ارتجالي من قبل قداسة البابا:)
هناك أمورٌ كثيرة أودّ أن أقولها لكم الآن، لكن حصل لِي أنّ ”عدسات نظّارتي“ لا تعمل ولا يمكنني أن أقرأ جيّدًا. لذلك سأسلّم النصّ لكم، حتّى تنشروه لاحقًا. لا يمكننا أن نضغط على النّظر ونقرأ بشكل سيّء.
أريد فقط أن أتوقّف عند شيء غير مكتوب، لكنّه موجود في روح اللقاء: الواقعيّة. لا يوجد حبٌّ مجرَّد، لا يوجد. الحبّ الأفلاطونيّ يكون في المدار الفلكي، وليس في الواقع. الحبّ الواقعي، الذي يوسّخ اليدين. يمكن لكلّ واحدٍ منّا أن يسأل: هل الحب الذي أشعر به نحو الجميع هنا، والذي أشعر به نحو الآخرين، هو حبّ واقعيّ أم مجرَّد؟ عندما أُصافح شخصًا مُحتاج، أو مريض، أو منبوذ، وبعد أن أصافحه، هل أمسح يدي بثيابي على الفور حتّى لا أُصاب بالعدوى؟ هل الفقر، وفقر الآخرين يُثير اشمئزازي؟ هل أبحث دائمًا عن الحياة ”الصّافية“، تلك الموجودة في خيالي ولكنّها غير موجودة في الحقيقة؟ كَم حياة نقيّة وغير مفيدة تمرُّ دون أن تترك أثرًا، لأنّ هذه الحياة ليس لها وزن!
وهنا عندنا حقيقة تترك أثرًا، وحقيقة سنوات كثيرة، سنوات كثيرة، التي تترك أثرًا وهو إلهام للآخرين. لا يمكن أن يكون هناك يوم عالمي للشّبيبة من دون الأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة. لأن هذا الأمر أيضًا يخص الشّبيبة، بمعنى أنّكم تولّدون باستمرار حياة جديدة. بِحُسن سلوككم، والتزامكم، وبتوسيخكم لأيديكم لكي تلمسوا حقيقة بؤس الآخرين، أنتم تولّدون الإلهام، وتولّدون الحياة. شكرًا لهذا! أشكركم من كلّ قلبي. سيروا إلى الأمام ولا تُصابوا بالإحباط! وإن شعرتم بالإحباط، خذوا كأس ماء وسيروا إلى الأمام!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023
Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana