المؤتمر الصحفي لقداسة البابا فرنسيس
خلال رحلة العودة من كندا
الجمعة 29 تموز/يوليو 2022
___________________________________
ماتيو بروني: مساء الخير جميعًا. صاحب القداسة، كانت هذه أيام حجّ وتوبة في مراحل مختلفة مع العديد من اللقاءات - وآخرها، كان مؤثِّرًا بصورة خاصّة، في إكالويت. هذه الأيام، كما قلتم، لا تنتهي بمغادرة هذه الأرض، وبهذا المعنى أيضًا نأتي إلى هذا اللقاء مع الصّحفيّين. لكن ربما تريدون أوّلًا أن تقولوا لنا بضع كلمات قبل أن نبدأ...
البابا فرنسيس: مساء الخير وشكرًا على مرافقتكم وعلى عملكم هنا. أعلم أنّكم عملتم كثيرًا، وأخبروني كيف تحركتم. أشكركم أيضًا على مرافقتكم. شكرًا لكم.
ماتيو بروني: السؤال الأوّل، هذا المساء هو من جيسيكا كانهيهسيو صحافية كنديّة من شعوب الإنويت
جيسيكا كانهيهسيو ( CBC RADIO - من الشّعوب الأصليّة).
أنا من نسل ناجٍ من المدارس الداخليّة الإجبارية. يريد ”الناجون“ أن يروا إجراءات ملموسة تأتي بعد اعتذاركم، بما في ذلك بيان حول نهاية ”عقيدة الاكتشاف“. في دساتير الولايات المتّحدة الأمريكيّة وكندا، لا يزال السّكان الأصليّون محرومين من أراضيهم، وبدون سلطة على أراضيهم. ألا تعتقدون أنّكم أضعتم الفرصة للإدلاء ببيان حول هذا الموضوع أثناء زيارتكم إلى كندا؟
البابا فرنسيس: لم أفهم الجزء الثاني من السؤال. لا أفهم ما هي المشكلة.
جيسيكا كانهيهسيو: المشكلة هي أنّ السّكان الأصليّين، هم حتى الآن محرومون من الأرض ومن السّلطة، وذلك بناء على تلك المراسيم البابويّة، ومفهوم عقيدة الاكتشاف. عندما أتكلّم مع أشخاص من الشّعوب الأصليّة، فإنّهم يقولون إنّه عندما جاء المستعمرون ليستعمروا بلاد أميركا، كانوا يشيرون إلى ”عقيدة الاكتشاف“ التي كانت تحمل هذه الفكرة أنّ الشّعوب الأصليّة في البلدان الجديدة هم أدنى درجة من الكاثوليك. هكذا صارت الولايات المتّحدة وكندا ”دُوَلًا“...
البابا فرنسيس: شكرًا على السؤال. أعتقد أنّ هذه مشكلة كلّ استعمار، حتى اليوم. إنّ الاستعمار الأيديولوجي اليوم له النمط عينه: كلّ من لا يدخل في طرقه يُعتبر أدنى. لكني أريد أن أذهب أبعد من ذلك في هذا الشأن. إنَّ (السّكان الأصليّين) لم يُعتَبَروا فقط ”أدنى“. بل تساءل لاهوتي مجنون هل كان لهم نفس؟ عندما ذهب يوحنا بولس الثاني إلى إفريقيا، عند البوابة التي كان يُجبَر العبيد عندها على الصّعود إلى السفن، (جزيرة ”غوري“، باب اللاعودة). أعطانا إشارة لكي نتوصل إلى فهم المأساة الإجرامية التي كانت تحدث: كان العبيد يُلقَوْن في السفينة في ظروف هائلة، ثمّ كانوا عبيدًا في أمريكا. صحيح أنّه كانت هناك أصوات تكلّمت بوضوح، مثل بارتولوميو دي لاس كاساس وبيدرو كلافير، لكنّهم كانوا أقليّة. جاء الوعي بالمساواة بين البشر ببطء. أقول الوعي لأنه لا يزال هناك شيء ما في اللاوعي... لأنّه لدينا دائمًا موقف استعماري، يحملنا على دمج ثقافتهم في ثقافتنا. إنّه أمر يأتينا من طريقة عيشنا المتطورة، حيث نفقد أحيانًا القيَم التي لديهم.
على سبيل المثال، لدى الشّعوب الأصليّة قيمة كبيرة وهي الانسجام مع الخليقة. وعلى الأقل بعض الذين أعرفهم يعبّرون عنها بكلمة ”العيش جيّدًا“، وهذا لا يعني، كما نفهم نحن الغربيّين، أن نحظى بوقت ممتع أو أن نحيا حياة مرفَّهة. لا. العيش بشكل جيّد هو الحفاظ على الانسجام. وهذه بالنسبة لي هي قيمة كبرى للشعوب الأصليّة: الانسجام. لقد تعودنا نحن على حصر كلّ شيء في الرأس. لكن - أنا أتحدّث بشكل عام - الشّعوب الأصليّة تعرف أن تعبّر عن نفسها بثلاث لغات: بالرأس والقلب واليدين. ولكن جميعها معًا. وهي تعرف كيف تتواصل بهذه اللغة مع الخليقة.
ثمّ هناك هذا التقدّم المتسارع بصورة مفرطة، تقدّم عُصابي للتطور الذي نسير فيه... أنا لا أتكلّم ضد التطور، الذي هو أمر جيّد. لكن القلق الذي نعيشه ليس جيّدًا: التطور، التطور، التطور... انظري: إنَّ أحد الأشياء التي فقدها مجتمعنا هي القدرة على الشِعر. إنَّ الشّعوب الأصليّة لديها هذه القدرة الشعرية. أنا لا أتكلّم بالمثاليات.
ثمَّ هناك عقيدة الاستعمار هذه، هذا صحيح، إنّها سيئة، وغير عادلة. ولا تزال تُستَخدَم حتى اليوم، لربما من خلال قفازات من حرير، لكنّها تُستخدم اليوم أيضًا. على سبيل المثال، أخبرني أساقفة بلد ما: ”عندما يُطلب بلدنا قرضًا من منظمة دوليّة، فإنّها تفرض عليه شروطًا، وشروطًا تشريعيّة استعماريّة أيضًا. ليُعطُوك القرض يجعلونك تغيّر أسلوب حياتك قليلًا. الآن، بالعودة إلى استعمارنا لأمريكا من قبل البريطانيّين والفرنسيّين والإسبان والبرتغاليّين، هذه القوى الاستعماريّة الأربع، كان هناك دائمًا هذا الخطر، لا بل تلك العقليّة: نحن متفوقون وهؤلاء السّكان الأصليّون لا يُحسَب لهم حساب. وهذا أمر خطير. لهذا علينا أن نعمل بما تقولينه. علينا أن نعود إلى الوراء ونشفي - إن جاز التعبير - ما تمّ فعله بشكل خاطئ، ونحن واعون اليوم أنّه ما زال الاستعمار نفسه موجودًا حتى اليوم أيضًا. فكّري على سبيل المثال في حالة - وهي عالميّة، أجرؤ على القول – فكري في حالة الروهينغا في ميانمار، ليس لهم حقّ المواطنة، يُعتَبَرون من مستوى أدنى. هذا اليوم. شكرًا.
ماتيو بروني: السؤال الثاني، يا صاحب القداسة هو من صحافيّة كنديّة أخرى بريتاني هوبسون.
بريتاني هوبسون، (THE CANADIAN PRESS)
مساء الخير، البابا فرنسيس. أنا بريتاني هوبسون من Canadian Press. قلتم مرارًا من الضّروريّ الكلام بوضوح وصدق وصراحة وببساطة. أنتم تعلمون أنّ لجنة الحقيقة والمصالحة الكنديّة وَصفت نظام المدارس الداخليّة الإجبارية بأنّها عمليّة ”إبادة جماعيّة ثقافية“، ثمّ تمّ تعديل العبارة، وصارت فقط ”إبادة جماعيّة“. الذين سمعوا كلامكم واعتذاركم خلال الأيام الأخيرة أعربوا عن خيبة أملهم لعدم استخدامكم كلمة إبادة جماعيّة. هل تقدرون أن تستخدموا هذه العبارة فتعترفوا أن بعض أعضاء الكنيسة شاركوا في هذه الإبادة الجماعيّة؟
البابا فرنسيس: هذا صحيح، لم أستخدم الكلمة لأنّها لم تخطر ببالي، لكنني وصفت الإبادة الجماعيّة واعتذرت، وطلبتُ المغفرة، عن هذا ”العمل“ الذي هو إبادة جماعيّة. على سبيل المثال، قمت بإدانة هذا أيضًا: أخذ الأطفال من أهلهم، وتغيير الثقافة، وتغيير الأذهان، وتغيير التقاليد، وتغيير العرق - إن جاز التعبير - ثقافة بأكملها. نعم، إنّ كلمة إبادة جماعيّة هي تقنية، لم أستخدمها لأنّها لم تخطر ببالي، لكنني وصفتها... هذا صحيح، نعم، نعم، إنّها إبادة جماعيّة. لا تقلقي، قولي إنّي قلت إنّها كانت إبادة جماعيّة.
ماتيو بروني: السؤال الآخر يأتي من فالنتينا الأزرقي – تعرفونها جيّدًا – من Televisa.
ماريا فالنتينا الأزرقي كراستيك (TELEVISA)
بابا فرنسيس، مساء الخير. لنفترض أنّ هذه الزيارة إلى كندا كانت أيضًا اختبارًا، اختبارًا لصحتكم، لما أسميتموه هذا الصباح ”بالقيود الجسديّة“. لذلك أردنا أن نعرف، بعد هذا الأسبوع، ماذا يمكنكم أن تخبرونا عن سفراتكم المستقبليّة: هل ترغبون في مواصلة السفر بهذه الطريقة؟ هل هناك سفرات لا يمكنكم القيام بها بسبب هذه القيود؟ أم تعتقدون أنّه بإمكان عمليّة الركبة أن تحلَّ المشكلة وتعودون إلى السفر كما في الماضي؟
البابا فرنسيس: شكرًا. لا أعرف... لا أعتقد أنّه يمكنني أن أسير بوتيرة السفرات الماضيّة. أعتقد أنّه في سنيّ ومع هذه القيود عليَّ أن أحافظ على صحتي لكي أتمكّن من خدمة الكنيسة. ثمّ، يمكنني التفكير في إمكانية التنحي جانبًا، فهذا، بكل صدق. هذا ليس كارثة. من الممكن تغيير البابا، من الممكن تغييره بدون أيّة مشكلة. لكني أعتقد أنّه عليّ أن أخفف من هذه الجهود. إنَّ جراحة الركبة لا تفيد في حالتي. يقول الفنيون نعم، ولكن هناك مشكلة التخدير بأسرها، لقد خضعت لأكثر من ست ساعات من التخدير منذ عشرة أشهر وما زالت هناك آثار. لا مزاح مع التخدير. لهذا السبب يُعتقد أنّه ليس مناسبًا تمامًا. سأحاول الاستمرار في السفر وأن أكون قريبًا من الناس لأنّني أعتقد أنّها طريقة للخدمة: القرب. لكن أكثر من هذا ليس لدي شيء أقوله، لنأمل... لكن إلى المكسيك لا توجد أية توقعات للسفر بعد!
ماريا فالنتينا الأزرقي: لكن هناك كازاخستان، وإذا ذهبتم إلى كازاخستان، ألّا يجب أن تذهبوا أيضًا إلى أوكرانيا؟
البابا فرنسيس: قلت إنّني أرغب في الذهاب إلى أوكرانيا. لنرى الآن ما سأجده عندما أصل إلى البيت. أودّ أن أذهب إلى كازاخستان في الوقت الحالي، إنّها زيارة هادئة، بدون حركة كثيرة، إنّه مؤتمر للأديان. في الوقت الحالي يبقى كلّ شيء على حاله. يجب أن أذهب أيضًا إلى جنوب السّودان قبل الكونغو، لأنّها زيارة مع رئيس أساقفة كانتربري ومع أسقف كنيسة اسكتلندا لأنّنا جميعًا قمنا بالخلوة الرّوحيّة معًا منذ عامين... ثم الكونغو، ولكن سيكون في العام المقبل، لأن الآن موسم الأمطار. سوف نرى... لدي كلّ النوايا الحسنة، ولكن دعونا نرى ما تقوله السّاق.
ماتيو بروني: السؤال التالي، صاحب القداسة، من كارولينا بيغوتزي من Paris Match
كارولينا بيغوتزي (PARIS MATCH)
مساء الخيرـ الأب الأقدس. التقيتم هذا الصّباح في مركز الأسقفيّة بأعضاء الرهبانيّة اليسوعيّة المحليّين، عائلتكم، كما تفعلون دائمًا أثناء زياراتكم. قبل تسع سنوات، خلال العودة من البرازيل، بعد تجمّع الشّبيبة العالمي، سألتكم هل كنتم لا تزالون تشعرون أنّكم يسوعي. وكانت إجابتكم إيجابيّة. في الرابع من كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، بعد لقاء اليسوعيين في اليونان، قلتم إنّه عندما يبدأ المرء عمليّة ما فعليه أن يتركها تتطور، وأنّ العمل ينمو ثم عليه بعدها أن يتقاعد. على كلّ يسوعي - قلتم - أن يفعل هذا، لأنّه لا يملك أيّ عمل بل هو ملك لله. هل يمكن أن تكون هذه العبارة صالحة ذات يوم للبابا اليسوعي؟
البابا فرنسيس: نعم، أعتقد ذلك.
كارولينا بيغوتزي: أي أنّكم قد تتقاعدون كاليسوعيين؟
البابا فرنسيس: نعم، إنّها دعوة.
كارولينا بيغوتزي: أن تكونوا بابا أم أن تكونوا يسوعيًّا؟
البابا فرنسيس: ليقل الله ما يشاء. اليسوعي يسعى – ويبحث، لا يفعل ذلك دائمًا، لأنّه لا يقدر، لكنّه يسعى – لكي يعمل مشيئة الله. حتى البابا اليسوعي عليه أن يفعل الشيء نفسه. عندما يتكلّم الله...، إذا قال لك الله: تابع مسيرتك، تتابع، وإذا قال لك الله: قف جانبًا، تقف جانبًا. الله هو الذي يقول...
كارولينا بيغوتزي: ما تقولونه يعني أنّه على المرء أن ينتظر الموت عند هذا الحد...
البابا فرنسيس: ولكننا جميعًا ننتظر الموت...
كارولينا بيغوتزي: أقصد ألن تتخلّون عن خدمتكم أوّلًا؟
البابا فرنسيس: سأفعل ما يقوله الله. يمكن أن يقول لي: اعتزل خدمتك. الله هو الذي يأمر. هناك شيء مهمّ عند القدّيس أغناطيوس. إذا كان الشّخص متعبًا ومريضًا، كان القدّيس أغناطيوس يعفيه من الصّلاة، لكنّه لم يكن يعفيه قط عن فحص الضمير. مرتين في اليوم: انظر إلى ما حدث في قلبي اليوم. لا هل خطئت أم لا، بل أي روح حرَّكني اليوم. دعوتنا هي أن نبحث عمّا حدث اليوم. إن رأيت - وهذه فرضيّة - أنّ الله يقول لي شيئًا ما، أو إن ألهمني هذا أو ذاك، يجب أن أميِّز لكي أرى ما يطلبه الرّبّ مني. قد يكون الرّبّ أيضًا يريد أن أقف جانبًا، هذا شأنه، هو الذي يأمر. هذه هي طريقة الحياة الرّهبانيّة لليسوعي، أن يكون على الدوام في حالة تمييز روحي لكي يأخذ القرارات ويختار مسار العمل والالتزام أيضًا... التمييز هو المفتاح في دعوة اليسوعي. وهذا أمر مهم. كان القدّيس أغناطيوس جيّدًا جدًّا في هذا الأمر لأنّ خبرته الشخصيّة في التمييز الرّوحيّ هي التي حملته على الارتداد والتوبة. والرياضة الروحيّة هي حقًا مدرسة للتمييز. وهكذا يجب على اليسوعي أن يكون بدعوته رجل التمييز: تمييز المواقف، وتمييز في ضميره، وتمييز القرارات التي عليه اتخاذها. لهذا يجب أن يكون منفتحًا على كلّ ما يطلبه الله منه، هذه هي روحانيتنا.
كارولينا بيغوتزي: لكن هل تشعرون أكثر أنّكم بابا أم يسوعي؟
البابا فرنسيس: لم أفكر في هذه المقارنة مطلقًا. (لم أفكر فيها مطلقًا بهذا)، هل أنا أكثر بابا أو يسوعي. أشعر أنني خادم للرّبّ مع كوني يسوعيًّا. لا توجد روحانيّة بابويّة. هذه ليست موجودة. يحمل كلّ بابا روحانيته الخاصّة. فكري في القدّيس يوحنا بولس الثاني والروحانيّة المريميّة الجميلة التي كان يتمتع بها. اكتسبها من قبل وبقيت معه وهو بابا. فكري في العديد من الباباوات الذين ساروا بروحانياتهم. البابويّة ليست روحانيّة، إنّها رسالة وخدمة. كلّ شخص يسير بروحانيته ونعمه وأمانته وحتى بخطاياه. لكن لا توجد روحانيّة بابويّة. لهذا السبب لا توجد مقارنة بين الروحانيّة اليسوعيّة والروحانيّة البابويّة، لأنّ هذه الأخيرة غير موجودة. هل فهمتِ؟ شكرًا، شكرًا.
ماتيو بروني: سؤال آخر يا صاحب القداسة يأتي من صحافيّة ألمانيّة، سيفيرينا إليزابيت بارتونيشيك من وكالة الأنباء الكاثوليكية الألمانيّة
سيفيرينا إليزابيت بارتونيشيك CIC
لقد تحدّثت بالأمس أيضًا عن أخوّة الكنيسة، التي هي جماعة تعرف كيف تصغي وتقيم الحوار، وتعزز العلاقات الجيّدة. لكن منذ بضعة أيام صدر إعلان عن الكرسيّ الرّسوليّ بشأن المسيرة السينودسيّة في ألمانيا، وهو نصّ لم يحمل أيّ توقيع. هل تعتقد أنّ هذه الطريقة في التواصل تساهم في الحوار أم تقف عائقًا أمامه؟
البابا فرنسيس: قبل كلّ شيء إنّ البيان صدر عن أمانة سرّ الدولة، وكان من الخطأ ألّا يُذكر ذلك. أعتقد أنّه كان مكتوبًا ”بيان صادر عن أمانة سرّ الدولة“، لكني لست أكيدًا من ذلك. كان من الخطأ ألّا توقعه أمانة سرّ الدولة، إنّه خطأ مكتبي، وليس عن سوء نية. فيما يتعلّق بالمسيرة السينوديّة كتبتُ أنا رسالة، فعلت ذلك وحدي: شهر من الصّلاة والتأمّل والمشاورات. هذا في ما يخصّ هذا الأمر. وأمّا ما يُسمى بالمسيرة السينوديّة، كتبت رسالة، وحدي، قبل شهر وبعد صلاة واستشارات، قلتُ كلّ ما أردتُ أن أقول بشأن المسيرة السينوديّة، وليس لدي ما أضيفه. هذا هو تعليم البابا حول المسيرة السينوديّة، وهي الرسالة التي كتبتها منذ سنتين. لقد تخطيتُ الكوريا لأني لم أقم بمشاورات معها. قمت بمسيرة لي، وبصفتي راع لكنيسة تبحث عن طريقها، وكأخ وأب ومؤمن. هذه هي الرسالة. أعرف أنّ الأمر ليس سهلًا، لكن كلّ شيء موجود في تلك الرسالة. شكرًا.
ماتيو بروني: السؤال التالي هو من إينياتسيو إنغراو من Raiuno
إينياتسيو إنغراو (Rai – Tg1)
تمر إيطاليا بأوضاع صعبة تبعث على القلق، أيضًا على المستوى الدولي. هناك الأزمة الاقتصاديّة، والجائحة والحرب والآن نجد نفسنا بلا حكومة. أنت كبير أساقفة إيطاليا. في البرقيّة التي وجهتها إلى الرئيس ماتاريلا في عيد ميلاده تحدّثتَ عن بلد مطبوع بالصّعوبات العديدة، ومدعو إلى اتخاذ خيارات حاسمة جدًّا. ما رأيك في استقالة حكومة دراغي؟
البابا فرنسيس: أوّلًا لا أريد أن أتدخل في السّياسة الداخليّة الإيطاليّة. ثانيًا: لا أحد يستطيع القول إّن الرئيس دراغي لم يكن رجلًا ذا قيمة دوليّة عاليّة. كان رئيسًا للمصرف المركزي الأوروبي. وكان ناجحًا في عمله. لقد طرحتُ سؤالًا واحدًا على أحد معاونيّ: قُل لي، كم هو عدد الحكومات التي عرفتها إيطاليا هذا القرن؟ فأجاب: عشرون! هذا هو جوابي.
إينياتسيو إنغراو: لكن، ما هو النداء الذي توجّهه إلى القوى السياسيّة مع اقتراب الانتخابات الصّعبة؟
البابا فرنسيس: المسؤوليّة. المسؤوليّة المدنيّة.
ماتيو بروني: شكرًا، صاحب القداسة، وشكرًا إينياتسيو. والسؤال التالي هو من كلير جانغرافي صحافيّة في Religion News Service
كلير جانغرافي (Religion News Service)
تحيّة، الأب الأقدس، مساء الخير. العديد من الكاثوليك، وأيضًا العديد من اللاهوتيين، يعتقدون بضرورة تطوّر في تعليم الكنيسة فيما يتعلّق بحبوب منع الحمل. يبدو أنّ سلفك، يوحنا بولس الأوّل، كان يرى أن منعًا تامًا لاستخدامها يتطلّب ربما إعادة نظر. ما رأيك في هذا الموضوع: هل أنت منفتح على إعادة التقييم؟ هل هناك إمكانية أمام الأزواج لاستخدام حبوب منع الحمل؟
البابا فرنسيس: فهمت. إنّها مسألة دقيقة جدًّا. اعلموا أنّ العقيدة والأخلاق تسير دومًا في درب التطور، لكن هذا التطور يتمّ بالاتجاه نفسه. سأكون واضحًا، وأعتقد أنّني فعلت ذلك في مناسبات أخرى هنا: بالنسبة للتطوّر اللاهوتي في مسألة أخلاقيّة أو عقائديّة، هناك قاعدة واضحة جدًّا ومنيرة. قلت ذلك مرات أخرى: هي ما قاله فنشنسو دي ليرينس في القرن الخامس. كان فرنسيًّا. قال إنّ العقيدة الحقيقيّة، حتى تتقدّم وتتطوّر، يجب ألّا تبقى متجمِّدة، إنّها تتطوّر، فتترسخ مع السّنين، وتتسع مع الزمن وتُنقّى مع العمر. أي إنها تنمو وتصبح أكثر صلابة، لكنّها تتقدّم. لهذا إنّ واجب اللاهوتيين هو البحث والتأمّل اللاهوتي. لكن، لا يمكن أن يفكر اللاهوتي ويضع أمامه، كلمة: لا. السّلطة التعليميّة الكنسيّة هي التي تقول: ”لا، تجاوزت الحد. عُد إلى الوراء“. التطوّر اللاهوتي يجب أن يكون منفتحًا. هذا هو دور اللاهوتيين. والسّلطة التعليميّة تساعد على فهم الحدود. بالنسبة لمشكلة حبوب منع الحمل، أعلم أنّه صدرت دراسة في هذا الموضوع وفي قضايا أخرى متعلّقة بالزواج، وهي أوراق مؤتمر. في المؤتمرات تُقدّم المقترحات ويدور النقاش حولها، ويوضِّح المؤتمرون المقترحات. ينبغي أن نكون واضحين. المؤتمرون في هذا المؤتمر قاموا بواجبهم، لأنّهم حاولوا أن يتقدَّموا بالعقيدة، لكن بحسب ”الحس الكنسي“، لا خارجًا عنه، كما قلت عندما تحدّثت عن قاعدة فنشنسو دي ليرينس. بعد ذلك، يتعيّن على السّلطة التعليميّة أن تقول إنّ الأمر صحيح أو خطأ.
وينطبق هذا على قضايا كثيرة. فكّروا مثلًا في الأسلحة النوويّة. لقد أعلنت اليوم رسميًّا أنّ حيازة الأسلحة النوويّة واستخدامها هو أمر غير أخلاقيّ. فكّروا في عقوبة الإعدام. أوّلًا، عقوبة الإعدام، نعم... أعتقد أنّنا أيضًا قريبون من اللا أخلاقيّة، لأنّ الضّمير الخلقيّ تطوَّر جيّدًا.
لأكُون واضحًا: إنّ تتطوّر العقيدة أو الأخلاق، هذا أمر جيّد، لكن في هذا الاتجاه الصّحيح، مع القواعد الثلاث التي ذكرها فنشنسو دي ليرينس. أعتقد أنّ هذا الأمر واضح جدًّا. إنّ الكنيسة التي لا تطوِّر فكرها بحسب الحس الكنسي، هي كنيسة تسير إلى الوراء. هذه هي اليوم مشكلة الكثيرين الذين يقولون عن أنفسهم إنّهم ”تقليديون“. ليسوا تقليديين، إنّهم رجعيّون، يسيرون إلى الوراء، ولا جذور لهم. هذا ما حدث دائمًا، هذا ما حدث في القرن الماضي. ”والرجعيّة“ خطيئة لأنّها لا تتقدّم مع الكنيسة. قال أحدهم – وأعتقد أني ذكرتُ ذلك في أحد خطاباتي – إنّ التقليد هو إيمان الأموات الحيّ. أما بالنسبة لهؤلاء الرجعيين، الذين يقولون عن أنفسهم إنّهم تقليديون، إنّه إيمان الأحياء الميّت. التقليد هو الجذور ومصدر الإلهام للتقدّم في الكنيسة، وهو دائمًا عامودي. أمّا الرجعيّة فهي الرجوع إلى الوراء، وهي دائمًا مغلقة. لا بد من أن نفهم جيّدًا دور التقليد، الذي يبقى دائمًا منفتحًا، مثل جذور الشّجرة. هكذا تنمو الشّجرة... كان أحد الموسيقيين، غوستاف ماهلر، يقول جملة جميلة جدًّا. قال إنّ التقليد بهذا المعنى هو ضمان المستقبل، هو ضمان، وليس قطعة في متحف. إن فُهِمَ التقليد على أنّه مغلق، فهذا ليس التقليد المسيحيّ. التقليد المسيحيّ هو عصارة الجذور التي تدفعك إلى الأمام، إلى الأمام، إلى الأمام... لهذا، لما تقولينه، يجب أن نفكّر وأن نحمل الإيمان والأخلاق إلى الأمام، وما زلنا نسير باتجاه الجذور وعصارة الجذور، فالأمر حسن. مع الحفاظ على القواعد الثلاث لفنشنسو دي ليرينس التي ذكرتها.
ماتيو بروني: هناك سؤال آخر من إيفا فرنانديز من Cope
إيفا فرنانديز (Cadena Cope)
الأب الأقدس، سيُعقد مجمع الكرادلة في نهاية آب أغسطس. كثيرون سألوك مؤخرًا هل تريد أن تستقيل. لا تقلق، هذه المرّة لن نسألك عن ذلك. لكنّنا فضوليون: هل فكرت في الصّفات التي تريد أن يتمتع بها خلفك؟
البابا فرنسيس: هذا هو عمل الرّوح القدّس، أتعلمين؟ أنا لا أجرؤ أبدًا على التفكير... الرّوح القدّس يعمل ذلك أفضل مني، وأفضل منا جميعًا. لأنّه يُلهم قرارات البابا، إنّه يُلهم دومًا. لأنّه حيّ في الكنيسة، ولا يمكن أن نتصوَّر الكنيسة بدون الرّوح القدّس، هو الذي يصنع الفرق، ويُحدث الضّجيج أيضًا. فكّروا في صباح العنصرة، ثمّ يُحدث الانسجام. من المهم أن نتكلّم على الانسجام، أكثر من الوَحدة. الوَحدة، لكن مع الانسجام، وليس جمودًا. الرّوح القدّس يعطي انسجامًا تدريجيًّا، يسير إلى الأمام. أنا أحب ما قاله القدّيس باسيليوس عن الرّوح القدّس. إنّه الانسجام! إنّه الانسجام. إنّه الانسجام، لأنّه أوّلًا يُحدث الضّجيج مع اختلاف المواهب. لنترك إذًا هذا العمل للروح القدس. بالنسبة لموضوع استقالتي أودّ أن أشكر زميلة لكم لمقال جميل كتبته، على كلّ المؤشرات التي قد تؤدي إلى استقالة، وعلى كلّ المؤشرات التي بدأت تظهر. إنّه عمل صحفيٌّ جيّد، إنّه صحفي وفي النهاية يعبّر عن رأي. بحث عن كلّ المؤشرات، ليس فقط التصريحات، هذه اللغة الخفية، لكنّها تُعطي مؤشرات. إنّ معرفة قراءة المؤشرات، أو القيام بجهد لتفسيرها، يمكن أن تدل على هذا أو هذا، هذا عمل جميل، أشكركم عليه جميعًا.
ماتيو بروني: ربما سؤال أخير من فيبي ناتانسون من ABC
فيبي ناتانسون (ABC News)
المعذرة، أيّها الأب الأقدس. أعلم أنّه وُجِّهَ إليكم الكثير من الأسئلة حول هذا الموضوع. لكني أودّ أن أسألك هل خطرت على ذهنك فكرة التقاعد، مع كلّ الصّعوبات الصحيّة وغيرها التي تواجّهها في هذه الفترة. هل فكّرت أنّه حان الوقت للتقاعد؟ هل حصلت مشاكل حملتك على التفكير في هذا الأمر؟ هل عشت لحظات صعبة جعلتك تفكّر في ذلك؟
البابا فرنسيس: الباب مفتوح. إنّه خيار طبيعي، لكني لم أقرع حتى اليوم هذا الباب، لم أفكّر في دخول هذه الغرفة. لم أشعر بالحاجة للتفكير في هذه الإمكانيّة. لكن هذا لا يعني أنّني لن أبدأ بالتفكير في ذلك بعد غد. أمّا حتى هذه اللحظة، بصدق، لم أفكّر. هذه الزيارة أيضًا كانت بمثابة اختبار. صحيح أنّه لا يمكن أن أقوم بالزيارات في هذا الوضع، ربما ينبغي أن أغيّر النمط، التقليل منها، دفع ديون السفريات المتبقية، إعادة تنظيم كلّ شيء. الله هو الذي سيقول ذلك. الباب مفتوح، وهذا صحيح.
قبل أن أترككم، أودّ أن أتحدّث عن أمر مهم جدًّا بالنسبة لي. إنّ زيارة كندا كانت مرتبطة جدًّا بشخصيّة القدّيسة حنّة. تحدّثت بعض الشّيء عن النساء، وخصوصًا المتقدمات في السّنّ، عن الأمهات وعن الجدات. وسلطت الضّوء على أمر واضح: الإيمان يُنقَل باللغة المحكية، - قلت ذلك بوضوح - لغة الأمّ ولغة الجدة. تشربنا الإيمان بهذه اللغة المحكية النسائيّة. وهذا أمر بالغ الأهمية: دور المرأة في نقل الإيمان وتنميته. الأم أو الجدة هي التي تعلّم الصّلاة، هي التي تشرح أمور الإيمان الأولى التي لا يفهمها الطفل. وأستطيع أن أقول إنّ نقل الإيمان باللغة المحكيّة، مرتبط بالمرأة. قد يقول أحد: كيف تفسّر هذا من الناحيّة اللاهوتيّة؟ أردّ بالقول إنّ من ينقل الإيمان هي الكنيسة، والكنيسة امرأة، إنّها عروس. الكنيسة ليست ذكرًا. الكنيسة امرأة. علينا أن ندخل في فكر الكنيسة المرأة، الكنيسة الأم، وهذا أهمّ من كلّ التصورات الذكوريّة للخدمة، أو أيّة سلطة ذكوريّة. الكنيسة أُمّ. أمومة الكنيسة. هذه هي صورة أمّ الرّبّ. من المهم إذًا التركيز على أهمية نقل الإيمان بلغة الأمّ المحكية. لقد اكتشفت هذه الفكرة، على سبيل المثال، من خلال قراءة استشهاد الماكابيين (راجع 2 المكابيين 7): يقول السِفر مرتين أو ثلاث إنّ الأم كانت تشجّعهم بلغة الأمّ المحكية. يُنقَلُ الإيمان باللغة المحكية، لغة النساء. هذا هو فرح الكنيسة الكبير، لأن الكنيسة امرأة، الكنيسة عروس. أردت أن أقول هذا بوضوح مفكراً في القدّيسة حنّة. شكرًا، شكرًا على صبركم وشكرًا على إصغائكم، استريحوا وسفرة سعيدة. شكرًا!
ماتيو بروني: شكرًا لكم يا صاحب القداسة، شكرًا لكم.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022
Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana