إلى بودابست في مناسبة القداس الختامي للمؤتمر الإفخارستي الدولي الثاني والخمسين وإلى سلوفاكيا
كلمة قداسة البابا فرنسيس
في اللقاء مع جماعة الغجر
في حي لونيك التاسع في كوشيتسه
الثلاثاء 14 أيلول/سبتمبر 2021
_______________________________________
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، مساؤكم سعيد!
أشكركم على استقبالكم لي وعلى كلماتكم الوديّة. ذكّرنا يان بما قاله لكم القدّيس بولس السّادس: "أنتم لستم على الهامش في الكنيسة... أنتم في قلب الكنيسة" (عظة، 26 سبتمبر/أيلول، 1965). يجب ألّا يشعر أحد في الكنيسة بأنّه في غير محلّه أو أنّه مُستبعد. هذا ليس فقط أسلوب كلام، بل هذا أسلوب كياننا في الكنيسة. لأنّه أن نكون كنيسة هو أن نعيش مدعوِّين بدعوة من الله، وأن نشعر بأنفسنا أصحاب المكان ومشاركين في الحياة، وأن نكون جزءًا من الفريق نفسه. نعم، لأنّ الله يريدنا هكذا، كلّ واحد مختلف، ولكنْ الجميع متّحدون حوله. الله يرانا مجتمعين معًا. جميعًا.
وهو يرانا أبناء: نظرته نظرة أب، ونظرة حبّ مفضَّل لكلّ ابن. إذا قبلت هذه النظرة وطبّقتها على نفسي، سأتعلّم أن أرى الآخرين الرؤية الصّحيحة: فأكتشف أنّ هناك أبناء آخرين لله بقربي وأعترف بهم إخوة. هذه هي الكنيسة، عائلة فيها إخوة وأخوات، والأب نفسه، الذي أعطانا يسوع أخًا، حتّى نفهم مدى محبّته للأخوّة. ويريد أن تصبح البشريّة جمعاء عائلة عالميّة. أنتم تكِنُّون للعائلة محبّةً كبيرة، وتنظرون إلى الكنيسة بناءً على هذه الخبرة. نعم، الكنيسة بيت، هي بيتكم. لذلك - أودّ أن أقول لكم من قلبي – أهلًا وسهلًا بكم، واشعروا دائمًا بأنّكم في بيتكم في الكنيسة، ولا تخافوا أبدًا أن تسكنوا فيها. لا أحد يُبعِدْكم أنتم أو أيَّ شخصٍ آخر عن الكنيسة!
يان، سلّمتَ عليّ مع زوجتك بِيَاتَا: لقد وضعتم معًا حلم العائلة أمام اختلافاتكم الكبيرة من حيث الأصل والعادات والأخلاق. يشهد الزّواج عندكم، أكثر من كلمات كثيرة، كيف أنّ واقع العيش معًا يمكن أن يُسقط صورًا نمطيّة كثيرة، والتي، خلافًا لذلك، تبدو أنّها لا تُقهر. ليس من السّهل تجاوز الأحكام المُسبقة، حتّى بين المسيحيّين. ليس من البسيط تقدير الآخرين، إذ غالبًا ما نرى فيهم عقباتٍ أو خصومًا، ونطلق الأحكام من دون معرفة وجوههم وقصصهم.
ولكن لنصغِ إلى ما يقوله يسوع في الإنجيل: "لا تَدينوا" (متّى 7، 1). ينبغي ألّا يُلطَّف الإنجيل، ولا يُشوّه. لا تدينوا، قال لنا يسوع المسيح. كم مرّة، مع ذلك، ليس فقط نتحدّث من دون أدلّة أو مثلما سمعنا، ولكنّنا نعتبر أنفسنا على حقّ عندما نجعل أنفسنا قُضاة صارمين على الآخرين. متسامحون مع أنفسنا، ومتصلّبون مع الآخرين. كم مرّة كانت الأحكام في الواقع أحكامًا مسبقة، وكم مرّة نعتنا الآخرين بنعوت كثيرة! إنّه كلام يشوِّه جمال أبناء الله، وهم إخوتنا. لا يجوز حصر حقيقة الآخر في نماذج جاهزة من صنعنا، ولا يجوز تصنيف الأشخاص. ولكي نعرفهم حقًّا، قبل كلّ شيء، يجب أن نعترف بهم: أن نعترف أنّ كلّ واحد يحمل في داخله جمالًا لا يمكن إلغاؤه، هو جمال ابن الله، فيه يُرَى الخالق.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، كنتم في مرّات كثيرة موضوعًا للتحيّزات وأحكام عديمة الرّحمة، وتصوّرات نمطيّة عنصريّة، وكلمات وأعمال مشهِّرة. وبهذا كلّه أصبحنا جميعًا أكثر فقرًا، فقراء في الإنسانيّة. وما نحتاج إليه لاستعادة الكرامة هو الانتقال من الأحكام المسبقة إلى الحوار، ومن الانغلاق إلى الاندماج. ولكن كيف نفعل ذلك؟ نيقولا ورينيه، لقد ساعدتمانا على ذلك: لقد ولدت قصّة حبّكما هنا ونضجت بفضل قرب الآخرين منكما والتشجيع الذي وجدتماه. شعرتما بحسّ المسؤوليّة وأردتما الحصول على عمل، وشعرتما أنّكما محبوبان وكبرتما مع الرغبة في إعطاء شيء أكثر لأبنائكما.
هكذا أعطيتمانا رسالة ثمينة وهي: حيث يوجد اهتمام بالشخص، وحيث يوجد عمل رعويّ، وحيث يوجد صبر وواقعيّة، تأتي الثّمار. ليس على الفور، بل مع مرور الوقت، ولكنّها تأتي. الأحكام والأحكام المسبقة تزيد المسافات فقط. والتناقضات والكلمات الحادّة لا تفيد. وتهميش الأشخاص لا يحلّ شيئًا. وعندما يُغذَّى الانغلاق والعزل، عاجلاً أم آجلاً، يندلع الغضب. السّبيل إلى التعايش السّلمي هو الاندماج. إنّها عمليّة عضويّة، وعمليّة بطيئة وحيويّة، والتي تبدأ بالمعرفة المتبادلة، وتستمرّ بصبر وتتطلّع إلى المستقبل. وإلى مَن ينتمي المستقبل؟ يمكننا أن نسأل أنفسنا؟ إلى مَن ينتمي المستقبل؟ إلى الأطفال. هم الذين يرشدوننا: لا يمكن لأحلامهم الكبيرة أن تتحطّم أمام حواجزنا. هم يريدون أن يكبروا مع الآخرين، من دون عقبات وموانع. إنّهم يستحقّون حياة متكاملة وحرّة. هم الذين يحفّزون الخيارات بعيدة النّظر، والتي لا تطلب الموافقة الفوريّة، ولكنّها تتطلّع إلى مستقبل الجميع. يجب اتّخاذ خيارات شجاعة من أجل الأبناء: من أجل كرامتهم، ومن أجل تعليمهم، حتّى يكبروا متجذّرين في أصولهم، ولكن في الوقت نفسه، من دون أن يروا استبعاد أيّ احتمال.
أشكر الذين يقومون بعمل الاندماج هذا. فإنّه يتطلّب جهدًا كثيرًا، ويلقى أيضًا أحيانًا عدم فهم ونكران الجميل، وربّما حتّى في الكنيسة. أعزّائي الكهنة والرّهبان والعلمانيّين، أصدقائي الأعزّاء الذين تكرّسون وقتكم لتقديم تنمية متكاملة لإخوتكم وأخواتكم، شكرًا لكم! شكرًا لكلّ عمل مع أولئك الموجودين على الهامش. أفكر أيضًا في اللاجئين والمحتجزين. لهؤلاء، على وجه الخصوص، وإلى كلّ السّجون، أعبّر عن قربي. شكرًا لك أيّها الأب بطرس لأنّك كلّمتنا عن المراكز الرعويّة، حيث لا تعلِّمون الاتكاليّة الاجتماعيّة، بل تقومون بالمرافقة الشخصيّة. شكرًا لكم أيّها الإخوة السالزيان. استمرّوا في هذا الطّريق، الذي لا يُوهم بأنّه يستطيع أن يُعطي كلّ شيء وفي الحال، ولكنّه طريق نبويّ، لأنّه يشمل الآخرين، ويبني الأخوّة، ويزرع السّلام. لا تخافوا أن تخرجوا للقاء المهمّشين. ستدركون أنّكم ذاهبون للقاء يسوع. هو ينتظركم هناك، حيث يوجد هشاشة وليس راحة، وحيث توجد خدمة لا سلطة، وحيث يجب أن تتجسّدوا في الصّعاب، لا أن تجدوا ما يريحكم. هناك هو موجود.
وأدعوكم جميعًا إلى تجاوز المخاوف وجراح الماضي، بثقة، وخطوة خطوة: من خلال العمل الصّادق، وكرامة كسب الخبز اليوميّ، وإنماء الثّقة المتبادلة. ومن خلال الصّلاة بعضنا لبعض، لأنّ هذا ما يهدينا ويعطينا القوّة. أشجّعكم، وأبارككم، وأحمل إليكم عناق الكنيسة كلّها. شكرًا.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021
Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana