APOSTOLIC JOURNEY OF HIS HOLINESS POPE FRANCIS TO COLOMBIA
(6-11 SEPTEMBER 2017)
الزيارة الرسولية إلى كولومبيا
كلمة قداسة البابا فرنسيس
اللقاء مع الكهنة والرهبان والراهبات والإكليريكيين وعائلاتهم
ميديلين ۹ سبتمبر / أيلول۲۰١۷
الإخوة الأساقفة الأعزاء،
الكهنة والرهبان والراهبات والإكليريكيين الأعزاء،
العائلات العزيزة وأصدقائي الكولومبيون الأعزاء،
إن مثل الكرمة الحقيقيّة الذي سمعناه من إنجيل يوحنا يأتي في إطار عشاء يسوع الأخير. في ذلك الجو من الحميميّة والتوتر المفعم بالمحبّة، غسل الرب أرجل تلاميذه وأراد أن يخلِّد ذكره في الخبز والخمر فتحدّث من عمق قلبه مع الذين أحبّهم أكثر من سواهم.
في تلك الأمسية "الإفخارستيّة" الأولى، وفي أول مغيب شمس بعد تصرّف الخدمة، فتح يسوع قلبه وسلّمهم وصيّته. وكما في تلك العليّة كان الرسل يجتمعون مع بعض النساء ومريم أمّ يسوع (را. أع ١، ١۳-١٤)؛ هكذا اجتمعنا نحن اليوم هنا لنصغي إليه ونصغي إلى بعضنا البعض. إنَّ الأخت لايدي للقديس يوسف وماريا إيزابيل والأب خوان فيليبي قد قدّموا لنا شهاداتهم... ويمكن لكل فرد منا أيضًا نحن الحاضرين أن يروي قصّة دعوته. جميعنا نملك الخبرة المُشتَرَكة ليسوع الذي يأتي للقائنا ويسبقنا وبهذه الطريقة "قبض" على قلوبنا. كما نقرأ في وثيقة آباريسيدا: "معرفة يسوع هي الهديّة الأجمل التي يمكن لأي شخص أن ينالها، واللقاء به هو أفضل ما يمكن أن يحصل لنا في حياتنا وأن نجعله معروفًا بكلامنا وأعمالنا يشكّل فرحًا كبيرًا بالنسبة لنا" (عدد ۲۹)، فرح البشارة.
كثيرون منكم أيها الشباب، قد اكتشفتم يسوع هذا حيًّا في جماعاتكم؛ جماعات ذات حماس رسولي مُعدٍ، تولِّد الحماس وتخلق الإعجاب. فحيث هناك حياة وحماس ورغبة بحمل المسيح إلى الآخرين تولد دعوات حقيقيّة؛ إن حياة الجماعة الأخويّة والمندفعة هي التي تولِّد الرغبة بالتكرُّس بالكامل لله والبشارة (را. الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل، عدد ١۰۷). إن الشباب بطبيعتهم مضطربون، في بحث دائم -أو أنا مخطئ؟- وهنا أريد أن أتوقّف للحظة وأسترجع ذكرى مؤلمة. هنا أفتح هلالين. الشباب هم بطبيعتهم مضطربون؛ وغالبا ما يكون اضطراب مخدوعًا، ومدمّرا من قبل مهرّبي المخدرات. ميديلين تعيد إليّ هذه الذكرى، تذكّرني بالكثير من أنفس الشبيبة التي تمّ تحطيمها وتجاهلها وتدميرها. إني أدعوكم إلى أن تتذكروا، وأن ترافقوا هذا الموكب الحزين، وأن تطلبوا الغفران لأولئك الذين دمّروا طموحات الكثير من الشباب، وأن تطلبوا من الربّ أن يغيّر قلوبهم، وأن ينهي هزيمة الإنسانية الشابة. إن الشباب بطبيعتهم مضطربون، وهم في بحث دائم؛ وبالرغم من أننا نشهد أزمة في الالتزام والعلاقات الجماعيّة، نجد العديد من الشباب الذين يعملون معًا إزاء شرور العالم ويتكرّسون لمختلف أشكال الخدمة الناشطة والتطوّع. هم كثيرون. وبعضهم هم، أجل، مسيحيون ملتزمون، والكثير هم مسيحيون "برائحة الورد"، كما اعتادت أن تقول جدتي؛ وآخرون لا يعرفون إن كانوا يؤمنون أم لا... ولكن هذا الاضطراب يدفعهم للقيام بخدمة ما تجاه الآخرين، هذا الاضطراب يملأ الخدمات التطوعية بأوجه شابة في كل العالم. يجب إعطاء الاضطراب وجهة صحيحة. وعندما يقومون بذلك، محبّة بيسوع فيما يشعرون أنهم جزء من الجماعة، يصبحون "رسل إيمان" يفرحون بحمل يسوع إلى كل درب وساحة وزاوية في العالم (ن. م.، عدد ١۰۷). وكم منهم يحملونه، دون أن يدركوا بأنهم يحملونه! وهو ربما هذا الغنى، غنى الذهاب في الطرق للخدمة، وغنى رسالة الإيمان، الذي ربما لا يفهمونه أبدا؛ إنها شهادة، شهادة تنفتح على عمل الروح القدس الذي يدخل ويعمل في قلوبنا.
في إحدى رحلات اليوم العالمي للشباب في بولندا [كراكوف 2016]، أثناء الغداء الذي تناولته مع الشباب -مع 15 شاب ورئيس الأساقفة- سألني أحدهم: "ماذا يمكنني أن أقول لرفيق لي، شاب، وهو ملحد، لا يؤمن؟ ما هو المضمون الذي يمكن أن أعرضه عليه؟" أجبته تلقائيا: "انظر، آخر شيء عليك القيام به هو أن تقول له أي شيء!" ففوجئ. "قم بعمل ما، تصرّف بطريقة تدفع القلق الذي في داخله يجعله فضولا فيطرح عليك الأسئلة. وعندما يطلب شهادتك، عندها يمكنك أن تبدأ في قول شيء ما". من المهمّ جدّا أن نكون رسلا، رسل الإيمان، رسل الحياة.
إن الكرمة التي يشير إليها يسوع، في الإنجيل الذي أعلناه، هي الكرمة التي هي "شعب العهد" بأسره. والأنبياء كإرميا وأشعيا وحزقيال يشيرون إليه ويشبّهونه إلى كرمة وينشد المزمور الـ ٨٠: "من مصر اقتلعتَ غرسة... مهّدتَ لها فأصَّلت أصولها وملأت الأرض" (الآيات ٩- ١٠) تعبِّر أحيانًا عن فرح الله بكرمته وأحيانًا أخرى عن غضبه والخيبة أو النفور [...]؛ فالله لا يكفُّ أبدًا، أبدًا، عن الاهتمام بكرمته، ولا عن التألُّم بسبب ابتعاده –فهو يتألّم في قلبه إن ابتعدتُ- ولا يكفّ عن الذهاب للقاء هذا الشعب الذي، عندما ينفصل عنه ييبس ويحترق ويتدمّر.
كيف هي الأرض والغذاء والعضد حيث تنمو هذه الكرمة في كولومبيا؟ في أيّة أُطُر تولد دعوات التكرّس الخاصة؟ بالتأكيد في بيئات مليئة بالتناقضات والأوضاع العلائقية المعقّدة. يطيب لنا أن تكون علاقتنا بعالم وعائلات وروابط أكثر هدوءًا ولكننا داخل هذا التغيير العصري، داخل هذه الأزمة الثقافية وفي خضمِّها وإذ نأخذها بعين الاعتبار يستمر الله في دعوة الأشخاص. فلا تأتوا إذًا لتقولوا لي: "كلّا، طبعًا، ليس هناك من دعوات خاصة للتكرّس، لأنه من الواضح أن الأزمة الحالية التي نعيشها...". تعرفون ما هذه؟ إنها خرافة! واضح؟ حتى وسط هذه الأزمة، الله يستمرّ بدعوة الأشخاص. إنّه لوهم أن نفكِّر أنّكم جميعًا قد سمعتم دعوة الرب داخل عائلات تعضدها محبّة قويّة ومليئة بالقيم كالسخاء والالتزام والأمانة والصبر (را. الإرشاد الرسولي فرح الحب، عدد ٥). بعضكم أجل، ولكن ليس جميعكم. بعض العائلات هي هكذا، والله يريد الكثير من العائلات أن تكون هكذا. ولكن أن نحافظ على أقدامنا ثابتة يعني أن نعترف أنّ مسيرة الدعوة الخاصة بنا وبزوغ دعوة الله يجدانا أقرب إلى ما تعلنه كلمة الله التي تعرفها كولومبيا جيّدًا: "درب من المعاناة والدّم... عنف قايين الأخوي القاتل، والصراعات المختلفة بين أبناء، وزوجات الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، والمآسي التي تلطخ بالدم عائلة داود، وصولا إلى العديد من المشاكل العائليّة التي تعجُّ بها قصّة طوبيا، أو الاعتراف المفعم بالمرارة لأيوب المتروك وحيدًا" (نفس المرجع، عدد٢٠). وهكذا كان الأمر منذ البدء: لا تفكّروا بالوضع المثالي، هذا هو الوضع الحقيقي. إن الله يظهر قربه واختياره حيث يريد، وفي الأرض التي يريد، كما هو الحال الآن، عبر التقاليد الملموسة، وبالطريقة التي يريد. هو يغيّر مسار الأحداث إذ يدعو رجالاً ونساء في هشاشة التاريخ الشخصي والجماعي. لا يجب علينا أن نخاف من هذه الأرض المعقّدة. ليلةَ أمس، ضمن الجماعة التي قامت باستقبالي، التي استقبلتني في السفارة الباباوية، قالت شابةٌ، ذات قدرات خاصة، أن النواة البشرية تحتوي على الضعف، وأوضحت الأسباب. فسألتها. "كلّنا ضعفاء؟" – "نعم، جميعنا"- "هل هناك من أحد غير ضعيف؟". فأجابت: "الله". لكن الله أراد أن يصبح ضعيفا أراد أن يخرج ليسير معنا في الطريق، أن يدخل تاريخنا هكذا كما كان؛ أراد أن يصبح إنسانا وسط التناقض، وسط أمر لا يُدرك، بموافقة شابّة لم تكن تدرك ما يحدث لكنها أطاعت، ورجل بار قام بكلّ ما أُمِرَ به؛ وكلّ هذا وسط الكثير من التناقضات. يجب علينا ألّا نخاف في هذه الأرض المعقّدة! إن الله قد صنع أعجوبة إنبات عناقيد صالحة كالخبز الطيّب عند الفطور؛ وأتمنّى ألا تنقص الدعوات في كلِّ جماعة أو عائلة في ميديلين! وعندما تجدون واحدة من هذه المفاجئات الجميلة عند الافطار، قولوا: "آه، كم هذا جميل! والله قادر أن يصنع بي شيئا؟" اسألوا أنفسكم، قبل أن تأكلوا! اسألوا أنفسكم.
وهذه الكرمة - التي هي كرمة يسوع - تتميّز بأنها حقيقيّة. لقد استعمل هذه الصفة في مناسبات أخرى في إنجيل يوحنا: النور الحقيقي والخبز الحقيقي النازل من السماء، والشهادة الحقيقيّة. إنّ الحقيقة ليست شيئًا نناله - كالخبز أو النور – ولكنه أمر ينبع من الداخل. نحن شعب مختار من أجل الحقيقة وينبغي على دعوتنا أن تكون في الحقيقة. وبالتالي لا مكان للخداع والازدواج والخيارات الخسيسة إن كنا أغصانًا في هذه الكرمة وكانت دعوتنا مطعّمة بيسوع. علينا أن نتنبّه جميعًا لكي يقوم كل غصن بما وُجد من أجله: أي أن يُثمر. وأنا، هل أنا مستعدّ لإعطاء الثمر؟ ينبغي على الذين أوكِلَت إليهم مهمّة مرافقة الدعوات أن يحفِّزوا، منذ البداية، النيّة الصالحة أي الرغبة الحقيقيّة للتشبّه بيسوع الراعي والصديق والعريس. عندما لا تتغذى هذه المسيرات من هذه العصارة الحقيقيّة التي هي روح يسوع، نختبر عندها الجفاف ويكتشف الله بحزن تلك البراعم اليابسة. إن دعوات التكرّس المميزة تموت عندما تريد أن تتغذّى من التبجيل أو عندما يحرّكها البحث عن الطمأنينة الشخصيّة والترقي الاجتماعي أو عندما يكون الدافع "للترقّي من فئة معيّنة" أو التعلّق بمصالح ماديّة تصل إلى حدِّ ارتكاب خطأ السعي إلى الربح. لقد قلت في مناسبات أخرى، وأودّ أن أكرّره كأمر حقيقيّ وأكيد، لا تنسوه: إن الشيطان يدخل من خلال المحفظة. دوما. وهذا الأمر لا يتعلّق في البدايات فقط بل ينبغي علينا أن نتنبّه جميعنا لأن الفساد في الرجال والنساء الذين في الكنيسة يبدأ بهذه الطريقة، شيئًا فشيئًا ومن ثم – كما يقول يسوع – يتجذّر في القلب ويبعد الله عن حياتنا. "لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّهِ ولِلمال" (متى ٦،۲٤). يقول يسوع: "لا يمكن للمرء أن يخدم سيّدين". سيّدين: كما لو كان للعالم سيّدين. لا يمكن للمرء أن يخدم الله والمال. يسوع يعطي لقب "السيّد" للمال. ما يعني هذا؟ يعني أنه إن أمسك بك، فهو لن يدعك ترحل: ويكون سيّدك بدأ من القلب. انتبه!. لا يمكننا أن نستغلَّ حالتنا الرهبانيّة وطيبة شعبنا، لتتمَّ خدمتنا ونحصل على امتيازات ماديّة.
هناك حالات ومواقف وخيارات تُظهر علامات الجفاف والموت –متى يحدث هذا؟-: لا يمكنها أن تستمرَّ بإبطاء سيل العصارة التي تغذّي وتعطي الحياة! لا يمكن لسمِّ الكذب والأمور الخفيّة ولاستغلال شعب الله والأشد ضعفًا ولا سيما المسنّين والأطفال أن يجد له مكانًا في جماعتنا. عندما يختار مكرّس أو مكرّسة أو جماعة، مؤسّسة، أن يتّبع هذا النمط، هو غصن يابس؛ يجب أن نجلس فقط وننتظر أن يأتي الله ويقطعه.
لكن الله لا يقطع فقط؛ ويتابع المثل ويقول إن الله يقضّب الكرمة من النواقص. كم هو جميل التقضيب! هو مؤلم لكنه جميل. والوعد هو أننا سنثمر بوفرة كحبّة القمح، إن كنا قادرين على تقديم ذواتنا وبذل حياتنا بحريّة. لدينا في كولومبيا أمثلة على أنَّ هذا الواقع ممكن. لنفكّر في القديسة لورا مونتويا، راهبة مدهشة، ذخائرها حاضرة هنا معنا، ومن هذه المدينة بذلت نفسها في عمل إرساليٍّ كبير لصالح الشعوب الأصليّة في البلاد كلها. كم تعلّمنا هذه المرأة المكرّسة في التكرّس الصامت المعاش بنكران الذات وبدون أي مصلحة غير إظهار وجه الله الوالدي! وهكذا أيضًا يمكننا أن نتذكّر الطوباوي ماريانو ليسوع أوسيه هويوس أحد أول تلاميذ إكليريكيّة ميديلين، وكهنة ورهبانًا كولومبيين آخرين قد بدأت دعاوى إعلان قداستهم، كالعديد غيرهم آلاف الكولومبيين المجهولي الهويّة، الذين في بساطة حياتهم اليوميّة عرفوا أن يبذلوا ذواتهم في سبيل الإنجيل، والذين تحافظون على ذكراهم ويشكّلون حافزًا لكم في تفانيكم. جميعهم يظهرون لنا أنّه من الممكن إتباع دعوة الرب بأمانة وأنّه من الممكن أن نحمل ثمرًا كثيرًا.
والبشرى السارة هي أنّه مستعد لأن يطهّرنا؛ البشرى السارة هي أننا لم "ننته" بعد، ما زلنا ضمن "عمليّة الصنع"، وكتلاميذ صالحين نحن لا نزال نسير. وكيف يقطع يسوع عوامل الموت المُتجذّرة في حياتنا والتي تشوّه دعوتنا؟ من خلال دعوتنا للثبات فيه؛ والثبات فيه لا يعني الإقامة معه فقط بل يشير إلى الحفاظ على علاقة حيويّة وجوهريّة وضروريّة؛ إنه عيشٌ ونموٌّ في وحدة حميمة وخصبة مع يسوع، ينبوع الحياة الأبديّة. لا يمكن للثبات في يسوع أن يكون موقفًا خاملاً أو مجرّد استسلام بدون تبعات في الحياة اليوميّة. هناك دوما تبعات، دوما. واسمحوا لي أن أقترح عليكم –لأن الكلام قد طال قليلا... [صرخوا: "كلا!"] طبعا، لن تقولوا "أجل"، بالتالي لن أصدّقكم- اسمحوا لي أن أقترح عليكم ثلاثة أساليب لتفعيل هذا الثبات، أساليب يمكنها أن تساعدكم على البقاء بالرب يسوع:
1. ثبات من خلال لمس بشريّة المسيح:
بواسطة نظرة ومشاعر يسوع الذي لا يتأمّل في واقع كديّان وإنما كسامري صالح؛ يرى قيم الشعب الذي يسير معه وإنما جراحه وخطاياه أيضًا؛ ويكتشف الألم الصامت ويتأثّر أمام حاجات الأشخاص لا سيما عندما يسيطر عليهم الظلم والفقر اللاإنساني واللامبالاة أو العمل الخسيس للفساد والعنف.
من خلال تصرفات يسوع وأقواله التي تعبِّر عن محبّة للقريبين وتبحث عن البعيدين؛ حنان وحزم في إدانة الخطيئة وإعلان الإنجيل، فرح وسخاء في التفاني والخدمة لا سيما تجاه الصغار، رافضين بقوّة تجربة اعتبار أنَّ كل شيء قد انتهى أو أن نستسلم للواقع أو نكتفي بإدارة الأحداث الصعبة. كم من مرّة نسمع نساء ورجالا مكرّسين، يبدون وكأنهم بدل أن يعطوا الفرح والنمو والحياة، يمنحون المآسي، ويمضون وقتهم في التذمر من مآسي هذا العالم. إنه العقم، عقم مَن هو غير قادر على لمس جسد يسوع المتألم.
2. ثبات من خلال تأمُّل ألوهيّته:
من خلال خلق ودعم التقدير للدراسة التي تنمّي معرفة المسيح، لأنّه وكما يذكّر القديس أغسطينوس لا يمكننا أن نحب من لا نعرفه (را. الثالوث الأقدس، الكتاب العاشر، الفصل الأول، عدد ۳).
وإذ نعطي، من أجل هذه المعرفة، الامتياز، للقاء مع الكتاب المقدّس لا سيما مع الإنجيل حيث يكلّمنا المسيح ويُظهر لنا محبّته غير المشروطة للآب ويعدينا الفرح النابع من الطاعة لإرادته ومن خدمة الإخوة. أودّ أن أطرح عليكم سؤالا، لكن لا تجيبوا، كلّ يجيب نفسه. كم من الدقائق أو كم من الساعات أقرأ الإنجيل أو الكتب المقدّسة كلّ يوم؟ كلّ يجيب نفسه. إن الذي لا يعرف الكتاب المقدّس لا يعرف يسوع والذي لا يحب الكتاب المقدّس لا يحب يسوع (را. إيرونيموس، مقدّمة لشرح حول السفر النبي أشعيا، علم الآباء اللاتين ۲٤، ١۷). ونعطي وقتًا لقراءة مصليّة لكلمة الله فنصغي من خلالها إلى ما يريده الله لنا ولشعبنا.
لتساعدنا دراستنا بأكملها لنكون قادرين على رؤية الواقع بعيني الله؛ وألا تكون دراسةً لا تمُتُّ بِصِلةٍ إلى ما يعيشه شعبنا وألا تتبع موجات الموضة والإيديولوجيات؛ فلا تعيش في الحنين ولا تريد أن تحبس السر؛ ولا تسعى للإجابة على أسئلة لا يطرحها أحد لتترك في الفراغ الوجودي أولئك الذين يسألوننا من خلال إحداثيات عالمهم وثقافاتهم.
الثبات والتأمّل بألوهيّته جاعلين من الصلاة جزءًا أساسيًّا لحياتنا وخدمتنا الرسوليّة. إن الصلاة تحرّرنا من ثقل روح العالم وتعلّمنا أن نعيش بفرح ونقوم بخياراتنا بعيدًا عن الأمور السطحيّة وفي ممارسة حريّة حقيقيّة. بواسطة الصلاة ننمو بالحرية، بواسطة الصلاة نتعلّم كيف نصبح أحرارا. الصلاة تسحبنا من تجربة التركيز على أنفسنا والاختباء في خبرة دينيّة فارغة وتقودنا لنضع أنفسنا بوداعة بين يدي الله لنتمِّم مشيئته ونجيب على مشروعه للخلاص. في الصلاة، أودّ أيضا أن أنصحكم: اسألوا، تأمّلوا، أشكروا، تضرّعوا، ولكن تعوّدوا على العبادة أيضًا. ونتعلّم العبادة في الصمت. تعلّموا أن تصلّوا بهذه الطريقة.
نحن رجال ونساء مصالَحون ليصالِحوا. إن الدعوة لا تعطينا شهادة بالسلوك الحسن وعدم ارتكاب الأخطاء، وبالتالي لا تُغطّينا هالة من القداسة. الويل لرجل الدين، للمكرّس، للمكرّسة، للكاهن، الذي يعيش مظهرًا القداسة، الويل! جميعنا خطأة، جميعنا. ونحتاج لمغفرة الله ورحمته يوميًّا لنقف مجدّدًا؛ هو ينزع ما ليس صالحًا وما لم نحسن فعله، ويرميه خارج الكرمة ويُحرقه. ينقيّنا لكي نتمكّن من أن نُثمِر. هكذا هي أمانة الله الرحيمة مع شعبه الذي نشكل جزءًا منه. هو لا يتركنا أبدًا على حافة الطريق. الله يقوم بكلّ ما بوسعه ليمنع الخطيئة من أن تتغلّب علينا وتغلق أبواب حياتنا على مستقبل رجاء وفرح. فهو يصنع كلّ ما بوسعه لتجنّب هذا الأمر. وإن لم يستطع، يبقى هنا بقربي، إلى أن أفكّر أن أرفع نظري لأني أدركت بأني قد سقطت. هكذا هو الله.
3. وختامًا ينبغي علينا أن نثبت في المسيح لنعيش في الفرح. الثالث: نثبت كي نعيش الفرح:
إن ثبتنا فيه، سيكون فرحه فينا. لن نكون تلاميذًا تعساء ورسلاً يائسين. اقرأوا نهاية الإرشاد الرسولي "إعلان الإنجيل": أنصحكم بها. بل على العكس سنعكس ونحمل الفرح الحقيقي ذلك الفرح الكامل الذي لا يمكن لأحد أن ينتزعه منا، وسننشر رجاء الحياة الجديدة الذي منحنا إياه المسيح. إن دعوة الله ليست حملاً ثقيلاً ينتزع منا الفرح. هي ثقيلة؟ أحيانا، ولكنها لا تنزع منا الفرح. بل تعطينا الفرح حتى عبر هذا الثقل. الله لا يريدنا غارقين في الحزن –وهو إحدى الأرواح الشريرة التي تستولي على النفس، كما كان قد ندّد بها رهبان الصحراء- الله لا يريدنا غارقين في التعب الناتج عن النشاط المعاش بأسلوب خاطئ بدون روحانية تجعل حياتنا سعيدة وحتى أتعابنا. على فرحنا المعدي أن يكون الشهادة الأولى لقرب الله ومحبّته. نكون موزعين حقيقيين لنعمة الله عندما نسمح بأن يظهر فرح اللقاء به.
في سفر التكوين وبعد الطوفان، زرع نوح كرمة كعلامة للبداية الجديدة؛ وفي نهاية سفر الخروج، عاد الذين كان موسى قد أرسلهم ليتفحّصوا أرض الميعاد حاملين عنقود عنب من هذا الحجم [يريهم ارتفاعه] كعلامة للأرض التي تدُرُّ لبنًا وعسلاً. لقد كان الله متنبّها لنا ولجماعاتنا وعائلاتنا؛ إنهم حاضرون هنا، ويبدو لي جميلا حضورُ آباء وأمّهات المكرّسين والكهنة والإكليريكيين. قد وجّه الله نظره إلينا، إلى جماعاتنا وعائلاتنا. قد وجّه الربّ نظره إلى كولومبيا وأنتم علامة لهذه المحبّة التي خصَّكم بها الله. يتوجّب علينا الآن أن نقدّم محبّتنا بكاملها وخدمتنا متّحدين بيسوع المسيح، الذي هو كرمتنا، وأن نكون وعد بداية جديدة لكولومبيا التي تترك خلفها الطوفان –مثل طوفان نوح-، طوفان النزاعات والعنف، وتريد أن تحمل العديد من ثمار العدالة والسلام واللقاء والتضامن. ليبارككم الله وليبارك الحياة المكرّسة في كولومبيا؛ ولا تنسوا أن تصلّوا من أجلي، كي يباركني أنا أيضًا. شكرًا!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2017
Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana