Index   Back Top Print

[ AR  - DE  - EN  - ES  - FR  - IT  - PL  - PT ]

الزيارة الرّسوليّة إلى إندونيسيا، وبابوا غينيا الجديدة، وتيمور الشّرقيّة، وسنغافورة

2-13 أيلول/سبتمبر 2024

عظة قداسة البابا فرنسيس

في القداس الإلهيّ

في ساحة تاسي تول (SPIANATA DI TACI TOL) - ديلي (DILI)

10 أيلول/سبتمبر 2024

[Multimedia]

___________________________

 

"وُلِدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا ابنٌ" (أشعيا 9، 5).

بهذا الكلام يخاطب أشعيا النّبيّ سكّان أورشليم، في القراءة الأولى، في لحظة ازدهارٍ للمدينة، ولكن، للأسف، في لحظة انحطاطٍ أخلاقيّ كبير أيضًا.

كان هناك غِنًى كثير، لكن الرّفاهية أعمت الأقوياء، وأوهمتهم أنّهم يمكنهم أن يكفوا أنفسهم، وأنّهم لا يحتاجون إلى الله، وقادهم غرورهم إلى أن يكونوا أنانيّين وظالمين. لهذا، ولو كان الخير كثيرًا، هناك أيضًا فقراء متروكون، يتضوَّرون جوعًا، وتفشّت الخيانة، وصارت الممارسة الدّينيّة مجرّد شكليّات. واجهة مخادعة لعالم يبدو لأوّل وهلة أنّه مثاليّ، لكنه يُخفي واقعًا مُظلمًا، وقاسيًا، يحتاج إلى كثير من التّوبة والرّحمة والشّفاء.

لذلك أعلن النّبيّ لمواطنيه عن أفقٍ جديدٍ سيفتحه الله لهم: مستقبل رجاء وفرح، حيث يُطرد الظّلم والحرب إلى الأبد. (راجع أشعيا 9، 1-4). وسيُشرقُ لهم نور عظيم (راجع الآية 1) يحرّرهم من ظلام الخطيئة التي تظلمهم، وسيقوم بذلك لا بقوّة الجيوش والأسلحة أو الغِنَى، بل بواسطة الابن الذي يعطيهم إياه (راجع الآيات 5-6).

لنتوقّف ولنتأمّل في هذه الصّورة: الله يُشعّ نوره الذي يخلّص بالابن الذي يعطيه.

في كلّ مكان، تُعتبر ولادة الابن لحظة مشرقة من الفرح والاحتفال، وتثير فينا أيضًا أحيانًا الرّغبات الصّالحة، وتجدّدنا في الخير، والعودة إلى النّقاء والبساطة. أمام المولود الجديد، حتّى القلب القاسي يشعر بالدّفء ويمتلئ بالحنان. الطّفل الضّعيف يحمل دائمًا رسالة تبلغ درجة من القوّة تحرِّك أقسى النّفوس، وتُعيد معها حركات ومقاصد التّناغم والهدوء. إنّه أمر عجيب ما يحدث عندما يولد طفل!

قرب الله منّا يكون من خلال طفل. صار الله طفلًا. ليست فقط لنندهش ونتأثّر، بل أيضًا لننفتح على محبّة الآب ولنتركه يصوغنا، حتّى يقدر أن يشفي جراحنا ويعيدنا إلى الوفاق، وينظّم حياتنا.

الحياة جميلة في تيمور الشّرقيّة، لأنّ فيها أطفالًا كثيرين: أنتم بلد شابٌّ، يُسمَع فيه خفقان الحياة، تتفجَّر في كلّ زاوية. وهذه هديّة، وعطيّة كبيرة: في الواقع، وجود شباب كثيرين وأطفال كثيرين، يجدّد باستمرار طاقتنا وحياتنا. وأكثر من ذلك، هذه علامة، لأنّ إعطاء المجال للأطفال، وللصّغار، وقبولهم، والاعتناء بهم، وأن نصير نحن أيضًا صغارًا أمام الله وأمام بعضنا البعض، هو التّصرّف الذي يجعلنا ننفتح على عمل الله. إن صِرنا أطفالًا، نسمح لله أن يعمل فينا.

اليوم نكرّم سيِّدتنا مريم العذراء الملكة، أي أمّ الملك يسوع، الذي أراد أن يولد صغيرًا ويصير أخًا لنا، وطلب كلمة ”نعم“ التي قالتها شابّة وضعيفة (راجع لوقا 1، 38).

فهمت مريم ذلك، واختارت أن تبقى صغيرة في حياتها كلّها، وجعلت نفسها أصغر من غيرها، فخدمت، وصلّت، واختفت لتفسح المجال أمام يسوع، حتّى عندما كان ذلك يكلّفها كثيرًا.

لذلك، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لا نخَف من أن نصير صغارًا أمام الله، وأمام بعضنا البعض، وأن نخسر حياتنا، وأن نعطي وقتنا لغيرنا، وأن نراجع برامجنا، وأن نقلّص حجم مشاريعنا أيضًا عند الضّرورة، وذلك لا لنقلّل من قيمتها، بل لنزيدها جمالًا بعطاء أنفسنا واستقبالنا للآخرين.

كلّ ذلك يُرمز إليه جيّدًا بحُليتَيْن جميلتَيْن في تقليد هذه الأرض: كايبوك وبيلاك (Kaibauk-Belak). كلّتاهما من المعدن الثّمين. هذا يعني أنّ لهما أهميّة كبيرة!

الأوّلى ترمز إلى قرون الجاموس ونور الشّمس، وتُوضع عاليًا، لتزيّن الجَبِين، وتُوضَع أيضًا في أعلى البيوت. إنّها تعبِّر عن القوّة والطّاقة والحرارة، ويمكن أن تشير إلى قدرة الله الذي يعطي الحياة. وليس هذا فقط: في الواقع، عندما تُوضَع على مستوى الرّأس، وفي أعلى البيوت، تذكّرنا أنّها بنور كلمة الله وبقوّة نعمته، يمكننا نحن أيضًا أن نتعاون، بخياراتنا وأعمالنا، في خطّة الفداء الكبرى.

والثّانية، البيلاك (Belak)، تُوضَع على الصّدر، وهي مكمّلة للأولى. تذكّرنا بنور القمر الرّفيق، الذي يعكس بتواضع نور الشّمس في الليل، ويُحيط كلّ شيء بوميض خفيف. إنّه يشير إلى السّلام والخصوبة والعذوبة، ويرمز إلى حنان الأمّ، التي تجعل، بانعكاسات محبّتها الرّقيقة، ما تلمسه مُشرقًا بالنّور نفسه الذي تقبله من الله.

كايبوك وبيلاك، قوّة وحنان الأب والأمّ: هكذا يبيِّن الرّبّ يسوع ملوكيّته، القائمة على المحبّة والرّحمة.

لنطلب معًا، إذًا، في هذه الإفخارستيّا، كلّ واحدٍ منّا، رجالًا ونساء، وكنيسة ومجتمعًا، أن نعرف أن نعكس في العالم نور إله المحبّة القويّ والحنون، هذا الإله، كما صلّينا في مزمور الرّدّة، الذي "يُنهِضُ المِسْكينَ مِنَ التُّراب، ويُقيمُ الفَقيرَ مِنَ الأَقْذار، لِيُجلِسَه مع العُظَماء، عُظَماءِ شَعبِه" (مزمور 113، 7-8).

***

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!

فكّرت كثيرًا: ما هو أفضل شيء في تيمور الشّرقيّة؟ هل هو خشب الصّندل؟ هل هو صيد السّمك؟ كلا. الأفضل هو شعبها. لا أستطيع أن أنسى النّاس على جانبَيْ الطّريق، مع الأطفال. كم من الأطفال لديكم في هذا البلد! وأفضل شيء في شعبٍ هو ابتسامة أطفاله. والشّعب الذي يعلِّم الأطفال أن يبتسموا، هو شعب له مستقبل.

ولكن تنبّهوا! لأنّهم قالوا لِي إنّ التّماسيح تأتي إلى بعض الشّواطئ. التّماسيح تأتي سباحة وعضّتها أقوى ممّا يمكننا أن نقاومها. تنبّهوا! من هذه التّماسيح التي تريد أن تغيّر ثقافتكم وتاريخكم. ابقوا أمناء. ولا تقتربوا من هذه التّماسيح لأنّها تعضّ، كثيرًا.

أتمنّى لكم السّلام. وأتمنّى لكم أن تستمرّوا في أن تنجِبوا أبناءً كثيرين: وأن يكون الأطفال هُم ابتسامة هذا الشّعب! اعتنوا بأطفالكم، واعتنوا أيضًا بكبار السّنّ، الذين هم ذاكرة هذه الأرض.

شكرًا، شكرًا جزيلًا على محبّتكم، وعلى إيمانكم. استمرّوا في الرّجاء!

والآن لنطلب من الرّبّ يسوع أن يباركنا كلّنا، وبعد ذلك سنرنّم ترنيمة لسيِّدتنا مريم العذراء.

 

***

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2024



Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana