التقرير النهائي للسينودس العادي للأساقفة حول العائلة - 2015 24 شهر تشرين الأول 2015 بيان مجمعي Relatio synodi للجمعية العامة الرابعة عشر لسينودس الأساقفة. في نهاية سينودس الأساقفة العادي حول العائلة، الذي جرى في الفاتيكان، بين الرابع والخامس والعشرين من شهر تشرين الأول سنة 2015، إعتمد الآباء بياناً مجمعياً وهو النص الذي اختتم مناقشاتهم ومشاركاتهم حول "دعوة ورسالة العائلة في الكنيسة والعالم المعاصر". ثلاثة أقسام كبيرة - الكنيسة المُصغِية الى العائلة، العائلة في قصد الله، ورسالة العائلة - تستعيد بنية أداة العمل Instrumentum laboris. وقد سلِّم هذا التقرير النهائي الى البابا فرنسيس، بعد أن تمَّ اعتماده من قِبَل 265 مقترعاً من الآباء. يجدر بالذكر أن الأعداد الموجودة في آخر كل فقرة تظهر نتيجة اقتراع آباء السينودس. مقدمـة (1-3) القسم الأول: الكنيسة تصغي للعائلة(4-34) الفصل الأول: العائلة والواقع الأنتروبولوجي - الثقافي(5-10) ¬ الواقع الإجتماعي الثقافي(5) ¬ الواقع الديني(6) ¬ التغيير الأنتروبولوجي(7) ¬ التناقضات الثقافية(8) ¬ صراعات وضغوطات إجتماعية(9) ¬ ضعف العائلة وقوَّتها(10) الفصل الثاني: العائلة والواقع الإجتماعي الإقتصادي(11-16) ¬ العائلة نبع للمجتمع لا بديل له(11) ¬ السياسات الداعمة للعائلة(12) ¬ عزلة وهشاشة(13) ¬ إقتصاد وعدالة(14) ¬ فقر وإقصاء(15) ¬ البيئة والعائلة(16) الفصل الثالت: العائلة، الإندماج والمجتمع (17-29) ¬ العمر الثالث أو الشيخوخة (17-18) ¬ الترمُّل (19) ¬ سنوات الحياة الأخيرة، والحداد في العائلة (20) ¬ الأشخاص ذوو الحاجات الخاصة (21) ¬ الأشخاص العازبون (22) ¬ مهاجرون ولاجئون ومضطهَدون (23-24) ¬ تحدِّيات خاصة (25) ¬ الأولاد (26) ¬ المرأة (27) ¬ الرجل (28) ¬ الشباب (29) الفصل الرابع: العائلة، العاطفة والحياة (30-34) ¬ أهمية الحياة العاطفية (30) ¬ التنشئة على بذل الذات (31) ¬ ضعف وعدم نضوج (32) ¬ التقنية والإنجاب البشري (33) ¬ تحدّي العمل الرعوي (34) القسم الثاني: العائلة في قصد الله(35-55) الفصل الأول: العائلة في تاريخ الخلاص (37-41) ¬ التربية الإلهية (37) ¬ أيقونة الثالوث في العائلة (38) ¬ العائلة في الكتاب المقدس (39-40) ¬ يسوع والعائلة (41) الفصل الثاني: العائلة في تعليم الكنسية (42-46) ¬ بولس السادس (43) ¬ يوحنا بولس الثاني (44) ¬ بنديكتوس السادس عشر (45) ¬ فرنسيس (46) الفصل الثالث: العائلة في العقيدة المسيحية (47-51) ¬ الزواج في نظام الخلق والملء الأسراري (47) ¬ لا إنحلالية الإتحاد الزوجي وخصوبته (48) ¬ خيور العائلة (49-50) ¬ حقيقة العائلة وجمالها (51) الفصل الرابع: نحو الملء الكنسي للعائلة (52-55) ¬ الرابط الحميم بين الكنيسة والعائلة (52) ¬ نعمة التوبة وإتمام الزواج (53-54) ¬ الرحمة في قلب الوحي (55) القسم الثالث: رسالة العائلة(56-93) الفصل الأول: تنشئة العائلة (57-61) ¬ التحضير للزواج (57-58) ¬ الإحتفال بالزواج (59) ¬ السنوات الأولى من الحياة العائلية (60) ¬ تنشئة الكهنة وسائر العاملين في المجال الرعوي (61) الفصل الثاني: العائلة، الإنجاب والتربية (62-68) ¬ نَقْل الحياة (62) ¬ المسؤولية الإنجابية (63) ¬ قيمة الحياة في كل مراحلها (64) ¬ تبنِّي وحضانة (65) ¬ تربية الأولاد (66-68) الفصل الثالث: العائلة والمرافقة الرعوية (69-86) ¬ حالات معقَّدة (69-76) ¬ المرافقة في الظروف المختلفة (77-83) ¬ التمييز والإندماج (84-86) الفصل الرابع: العائلة والأنجلة (87-93) ¬ الروحانية العائلية (87-88) ¬ العائلة، موضوع الرعوية (89-90) ¬ العلاقة مع الثقافات والمؤسسات (91-92) ¬ الإنفتاح على الرسالة (93) الخاتمة(94) صلاة الى العائلة المقدَّسة مقدّمة: 1- نحن آباء السينودس المجتمعون حول قداسة البابا فرنسيس، نشكره على دعوته لنا لنفكِّر معه وتحت رعايته، في دعوة ورسالة العائلة اليوم. نقدِّم له، وبكل تواضع، ثمرة عملنا الذي نعي محدوديَّته، الا أنه يمكننا التأكيد بأن عائلات العالم أجمع، بأفراحها وآمالها، أحزانها وهمومها، حاضرةدوماًفيأذهاننا.إن تلاميذالمسيحيعرفونبأن"مامنشيءٍإنسانيٍّحقإلاولهصداهُ في قلوبهم. فجماعتهم تتألَّفُ من بشرٍ يجمعهم المسيحُ، ويقودُهم الروح القدس في مسيرتهم نحو ملكوت الآب. إنَّهم يحملون رسالةَ خلاصٍ عليهم أن يعرضوها على الجميع. ولذلك تعترفُ جماعةُ المسيحيين بتضامنها الحق والوثيق مع الجنس البشري وتاريخه.(فرح ورجاء، 1). لنشكر الله على الأمانة السَّخيّة التي تُميِّز الكثير من العائلات في استجابتهم لدعوتهم ورسالتهم حتى في مواجهة الصعوبات المختلفة وعدم التفهُّم والآلام. الكنيسة جمعاء، المتَّحدة بربِّها ويعضُدها الروح القدس، تتوجَّه بتشجيعها وتأييدها لهذه العائلات. فهي تدرك انها تحمل كلمة حق ورجاء موجَّهة لكل البشر، هذا ما ذكَّر به البابا فرنسيس خلال الإحتفال الذي افتتح هذه المرحلة من المسيرة المجمعيَّة المخصَّصة للعائلة: " لم يخلق الله الإنسان ليبقى وحيداً، بل خلَقه للسعادة، ليتشارك طريقه مع شخص آخر يكمِّله (...). إنَّه التدبير نفسه الذي ذكَّر به يسوع: "في بدء الخليقة خلقهما رجلاً وامرأة. لهذا يترك الرجل أباه وأمَّه، ويلزم امرأته، ليصبح الإثنان جسداً واحداً". (مر 10/6-8 ، تك 1/27؛ 2/24). الله يوحِّد ما بين قلبَي رجل وامرأة يتحابان، فيجمعهما في وحدة لا تنحلّ. هذا يعني أن غاية الحياة الزوجيَّة لا تُختصر بديمومة العيش معاً بل باستمرارية الحب! هكذا أعاد يسوع النظام الذي كان في الأساس، والذي كان هو الأساس (...). وحدهاجنونيَّةحبيسوعالفصحيومجانيَّتهيمكنهاانتجعلمنجنونيَّةومجانيَّةالحبالزوجي، الوحيد والدائم حتى الموت، واقعاً ممكناً ومقبولاً. (عظة افتتاح السينودس، 4 تشرين الأول 2015). |0-260| 2- في إطارها الحميمي لعيش الأفراح والمعاناة، تضحي العائلة أول وأهم "مدرسة إنسانية" (راجع فرح ورجاء، 52). ورغم مؤشرات الأزمة العميقة التي تواجهها المؤسَّسة العائليَّة في كافة الأوساط، تبقى الرغبة بتكوين عائلة، واقعاً حياً في صفوف الشباب. الكنيسة، الخبيرة بالشأن الإنساني والأمينة لرسالتها، تعلن بقناعة عميقة "إنجيل العائلة" المتضمَّن في وحي يسوع المسيح والذي علَّمه الآباء دوماً إن من خلال المعلمين الروحيِّين او من قبل السلطة التعليميَّة في الكنيسة. وتكتسب العائلة أهمية خاصة في مسار الكنيسة: " عظيم هو حب الله الذي يرافق مسيرة البشرية. فقد بدأ السير مع شعبه الى حين تمام الزمان المحدد، فأعطىالدليلالأعظمعلىمحبته:إبنه.لميرسلهالىقصرأومدينة لينشىءمؤسسةبلأرسله في عائلة. نعم دخل الله الى العالم من خلال عائلة، وقد استطاع ذلك لأن قلب هذه العائلة منفتح على الحب، وكذلك أبوابها." (البابا فرنسيس، بمناسبة عيد العائلة، فيلادلفيا 26 أيلول 2015). عائلات اليوم مرسلة هي أيضاً كـ"التلاميذ المرسَلين" (راجع فرح الإنجيل، 120). على العائلة إذن أن تعيد اكتشاف ذاتها كفاعل ضروري في رسالة الأنجلة. |0-257| 3- دعا قداسة البابا آباء السينودس الى التفكير في أوضاع العائلة وواقعها: "ان التوافق كشخص واحدحولأسقفروماهوبحدذاتهنعمةتُظهرالجماعةالأسقفيَّةفيمسيرةتمييزروحيورعوي"(البابا فرنسيس، بمناسبة أمسية الصلاة تحضيراً للمجمع الإستثنائي للعائلة، 4 تشرين الأول 2014). خلال سنتين، عُقدت الجمعية العامة الغير عادية (2014) والجمعية العامة العادية (2015) اللتان تمَّمتا رسالتهمابالإصغاءالىعلاماتاللهوالتاريخالبشري،بالأمانةللإنجيل.انثمرةاللقاءالمجمعي الأول، الذي ساهم فيه شعب الله مساهمة خاصة، قد أدى الى صدور الـ Relatio Synodi. وقد توجَّه حوارنا وتفكيرنا على ضوء أبعاد ثلاث: الإصغاء لواقع العائلة اليوم بكل تعقيداته، بظلاله وأنواره، على ضوء معطيات الإيمان ومنطقه؛ التطلُّع الى المسيح، لإعادة التفكير بالوحي الذي ينقله إيمان الكنيسة، بانتعاش متجدد واندفاع؛ النقاش، بنعمة الروح القدس لإيجاد السبل الآيلة الى تجدُّد الكنيسة والمجتمع في التزامهما لأجل العائلة القائمة على الزواج بين رجل وامرأة. فالبشارة المسيحية المختصة بالعائلة هي حقاً بشارة سارة. وعدا كونها مطالَبة بمواجهة الإشكاليات الراهنة، فالعائلة مدعوَّة أيضاً من الله لأن تكتشف أكثر فأكثر هويتها الرسولية الخاصة. لقد اغتنى آباء المجمع بحضور الأزواج والعائلات في نقاش يعنيهم مباشرة، وقد ركَّزنا على دعوة العائلة ورسالتها في الكنيسة وفي العالم المعاصر، مع المحافظة على ثمرة المجمع السابق الذي خُصِّص للتحديات التي تواجهها اليوم. |1–255| القسم الأوّل: الكنيسة تُصغي للعائلة 4- إن سرَّ خلق الحياة على الأرض يملؤنا دهشة وحبوراً. فالعائلة المبنية على زواج الرجل والمرأة هي الإطار الرائع، الذي لا بديل له، لعيش الحب الذي يعطي الحياة. الحب لا يُختزل بوهم اللحظة الراهنة، وليس غاية بذاته. بل هو بحث عن الركون الى الـ"أنت" الذي يُعطي ذاته شخصياً. ففي وعد الحب المتبادل، في السرَّاء والضرَّاء، ينشد الحب الديمومة حتى الموت. لأن الرغبة الأساسية ببناء نسيج عاطفي متين ما بين أجيال العائلة الواحدة، تبقى واقعاً ثابتاً، بمعزل عن الإختلافات الثقافية والدينية والتغيُّرات الإجتماعية. في حرية الـ"نعم" المتبادلة بين الرجل والمرأة للحياة كلها، يغدو حب الله حاضراً. وبالنسبة للإيمان الكاثوليكي، الزواج هو علامة مقدَّسة يُصبح من خلالها حب الله لكنيسته فاعلاً، بما يجعل من العائلة المسيحية جزءً لا يتجزأ من الكنيسة الحيَّة: إنها "كنيسة بيتية". الزوجان والحياة في الزواج ليسا بحقائق مجرَّدة، بل هما واقع ناقص وسريع العطب يستدعي إرادة توبة ومسامحة دائمة للإبتداء من جديد. علينا، كرعاة، مسؤولية العناية بحياة العائلات. نود الإصغاء الى واقع حياتها وتحدِّياتها، ومرافقتها ونظرنا ممتلىء من حب الإنجيل. نود أن نعطيها القوة ونساعدها على تلقُّف رسالتها اليوم. نود أيضاً مواكبتها من كل القلب في همومها وإعطائها الشجاعة والرجاء بالإستناد الى الرحمة الإلهية. |2–256| الفصل الأوّل: العائلة والواقع الأنتروبولوجي – الثقافي الواقع الإجتماعي الثقافي 5- نقترب من عائلات اليوم على اختلافها، بكل طواعية لما يطلبه منا الروح القدس، مدركين أن "المسيح" آدم الجديد (...) يُظهِر بالملء الإنسان لذاته (فرح ورجاء، 22). ننظر باهتمام الى التحديات الراهنة التي تؤثِّر على العديد من نواحي الحياة، ونحن مدركون للتوجه الأنتروبولوجي الثقافي الذي يسود مجتمع اليوم والذي يحدُّ من دعم البنى الإجتماعية للأفراد في حياتهم العاطفية والعائلية. ومن ناحية أخرى لا بد من التنبُّه الى تنامي نزعة الفردية المفرطة التي تشوِّه طبيعة العلاقات العائلية إذ تعزِّز فكرة البناء الذاتي للشخص، النابع من رغباته، بمعزل عن الروابط القائمة التي فُرِّغت من قدرتها وتأثيرها. نفكِّر بالأمهات والآباء، بالأجداد والجدَّات، بالإخوة والأخوات، بالأهل القريبين والبعيدين، بالروابط الوثيقة التي ينسجها كل زواج ما بين عائلتين. رغم ذلك لا يجب ان نغفل الواقع المعيوش: صلابة الروابط العائلية ما زالت تستمر بالمحافظة على حياة العالم. فالطاقة المخصَّصة لحماية كرامة كل شخص – رجلاً وامرأةً وأولاداً – جماعات إثنية وأقليات، ما زالت كبيرة، تماماً كما الدفاع عن حق كل كائن بشري في أن ينمو في كنف عائلة. إن أمانة هذه العائلات لن تلقى حق قدرها ما لم يُعاد التأكيد، وباعتقاد راسخ، على قيمة الحياة العائلية بالإستناد خصوصاً الى نور الإنجيل في كل الثقافات. نحن واعون لقوة التغيُّرات التي أحدثتها التحوُّلات الأنتروبولوجية – الثقافية الحسية في كل نواحي الحياة. ونبقى مقتنعين بشدة أن العائلة هي عطية من الله والإطار الذي يُظهر قدرة نعمته الخلاصيَّة. اليوم أيضاً يدعو الرب الرجل والمرأة الى الزواج وهو يرافقهما في حياتهما العائلية، يقدم لهما ذاته كهبة فائقة الإدراك. إنها إحدى علامات الأزمنة التي تُدعى الكنيسة لشرحها "على ضوء الإنجيل، بطريقة تُمكِّنها من الإجابة بطريقة ملائمة على تساؤلات البشر الأبدية، وفي كل جيل، عن معنى الحياة الحاضرة والمستقبلة، وعن علاقاتهم المتبادلة. يجدر بنا إذاً معرفة هذا العالم الذي فيه نعيش، وفهم انتظاراته وتطلعاته وطابعه الذي غالباً ما يكون مأساوياً". (فرح ورجاء، 4). |3–256| الواقع الديني 6- الإيمان المسيحي ما زال قوياً وحياً. لكننا نشهد في بعض الأماكن من العالم انحساراً واضحاً للتأثير الديني في الحيِّز الإجتماعي، يرتدُّ على حياة العائلات. هذا التوجُّه يهدف الى حصر البعد الديني في إطار الحياة الخاصة والعائلية، ويهدد بعرقلة رسالة وشهادة العائلات المسيحية في عالمنا الحاضر. في المجتمعات التي تتمتع بدرجة عالية من رفاهية العيش، يُخشى ان يضع الأشخاص كل آمالهم في البحث المطَّرد عن تقدير اجتماعي وازدهار اقتصادي. وفي أماكن أخرى من العالم، تؤدي الإنعكاسات السلبية لنظام اقتصادي عالمي مجحف الى بروز أشكال من التديُّن تصبح عرضة للراديكالية، والتشيُّع والتطرُّف. كما يجب الإشارة الى الحركات القائمة على التعصُّب الديني – السياسي، المعادية غالباً للمسيحية. فهي تولِّد عدم الإستقرار والفوضى والعنف وتسبب الكثير من المآسي والآلام في حياة العائلات. الكنيسة مدعوة لمرافقة حالات التديُّن التي تُعاش في قلب العائلات لتعمل على توجيهها نحو البُعد الإنجيلي. |9–249| التغيير الأنتروبولوجي 7- تعتبر العلاقات والإنتماء في مختلف الثقافات قيماً هامة تُسهم في تكوين هوية الأفراد. كذلك العائلة التي تمكِّن الأشخاص من تحقيق ذواتهم والمشاركة على نحو أوسع في نموِّ الآخرين في المجتمع. الهوية المسيحية والكنسيَّة التي يتلقاها كل شخص في المعمودية، تجد تفتُّحها في جمال الحياة العائلية. في مجتمع اليوم نلاحظ العديد من التحديات التي تظهر، بنِسبٍ متفاوتة، في أماكن مختلفة من العالم. يبدي الكثير من الشباب، وفي إطار الثقافات المختلفة، تحفُّظهم على الإلتزام النهائي في علاقاتهم العاطفية، فيلجؤون غالباً الى خيار المساكنة او العلاقات الظرفية. ان تراجع الولادات هو نتيجة عوامل عدة، من بينها التحوُّل الى المجتمع الصناعي، الثورة الجنسية، الخوف من الزيادة السكَّانية، المشاكل الإقتصادية وتنامي ذهنية تميل الى منع الحمل والإجهاض. بإمكان مجتمع الإستهلاك ان يُثني عن إنجاب الأولاد وذلك، بكل بساطة، بهدف المحافظة على الحرية ومستوى العيش. يُلاقي بعض المؤمنين الكاثوليك صعوبة في تسيير حياتهم بما يتوافق مع تعاليم الكنيسةالكاثوليكية المتعلقة بالزواج والعائلة، إذ يعجزون عن رؤية مشروع الله الصالح لحياتهم الذي يتضمَّنه هذا التعليم. وفي أنحاء أخرى من العالم، نشهد تراجعاً في الإقدام على الزواج يرافقه ارتفاع في نسبة الإنفصال والطلاق. |9–248| التناقضات الثقافية 8- تُظهر الأوضاع الثقافية المؤثِّرة على العائلة، في أجزاء واسعة من العالم، إطاراً متناقضاً تعززه وسائل التواصل بقوة. فمن ناحية، يحظى الزواج والعائلة بتقدير كبير، لأن القناعة بأن العائلة هي الطريق الأضمن للمشاعر الأكثر عمقاً وارضاءً، ما زالت هي السائدة. ومن ناحية أخرى، تُقدَّم هذه الصورة في بعض الأحيان على أنها نتيجة لانتظارات مفرطة واداعاءات متبادلة مبالغ بها. ان الضغوط التي تنتجها ثقافة الفردية المتفاقمة، ثقافة التملك والرفاهية، تُفضي الى حالات من الألم والقسوة داخل العائلة. ويمكننا الإشارة الى رؤية نَسَوية (féministe) معينة تشجب الأمومة اذ تعتبرها إحدى طرق الإستغلال للمرأة وحاجزاً أمام تحقيقها الكامل لذاتها. كما نلاحظ أيضاً ميلاً متنامياً الى اعتبار الحمل بالطفل وسيلة لإثبات الذات، يجب الحصول عليه بشتى الوسائل. وهناك تحدٍ ثقافي واسع الإنتشار ظهر اليوم مع بروز نظرية "النوع" (Théorie du genre)التي تنفي الفوارق والتبادل الطبيعي بين الرجل والمرأة وتوجِّهنا نحو مجتمع بدون فوارق في الجنس، يضرب قاعدة العائلة الأنتروبولوجية. هذه العقيدة تُفضي الى مشاريع تربوية وتوجُّهات تشريعية تعزِّز هويةً شخصيةً ذاتية وحميميةً عاطفية، منفصلة كلياًً عن المُعطى البيولوجي المختلف بين الذكورة والأنوثة. فالهوية الإنسانية الجنسية تصبح، مع هذه العقيدة، خياراً فردياً يمكن ان يتطوَّر مع الوقت. بينما في رؤية الإيمان، الإختلاف الجنسي الإنساني يحمل في طيَّاته صورة الله ومثاله (راجع تك 1/26-27) "هذا يعني ان الرجل ليس فقط بذاته على صورة الله، كما ان المرأة ليست فقط بذاتها على صورة الله، بل إن الرجل والمرأة، معاً كثنائي، هما أيضاً صورة الله (...)". يمكننا القول انه بدون الإغتناء المتبادل في هذه العلاقة – في الفكر، في الإرتباطات العائلية، في العمل وفي الإيمان – حتى الإثنان معاً لن يمكنهما إدراك ملء المعنى لكونهما رجلاً وامرأة. إن الثقافة الحديثة والمعاصرة فتحت مساحات جديدة، وحريات وتوجُّهات جديدة لفهمٍ أكثر غنى لهذا الإختلاف. لكنها أدخلت، في الوقت عينه، شكوكاً عديدة والكثير من الريبة. (...) إن الغاء الفوارق (...) هو المشكلة وليس الحل" (البابا فرنسيس، مقابلة عامة، 15 نيسان 2015 ). |9-245| صراعات وضغوط إجتماعية 9- إن النوعية العاطفية والروحية للحياة العائلية باتت مهدَّدة نظراً لتعدُّد الصراعات والإفتقار الى الموارد وظاهرة الهجرة. الإضطهادات الدينية العنيفة، الموجَّهة خصوصاً ضد العائلات المسيحية، تجتاح اليوم مناطق شاسعة بأكملها مولِّدة موجات نزوحٍ كبيرة تفوق بكثير إمكانيات المناطق التي تستقبل هذه الأعداد الهائلة من المهجرين. غالباً ما تكون العائلات المنكوبة مُكرهة على الإنسلاخ الذي يجعلها على حافة التفكك. إن أمانة المسيحيين لإيمانهم وصبرهم وتعلُّقهم ببلدهم الأم، لَيستحق كل تقدير. وجهود المسؤولين السياسيين والدينيين كافة لنشر وحماية ثقافة حقوق الإنسان، تبقى غير كافية. فالمطلوب هو احترام حرية الضمير والعمل على تعزيز التعايش المنسجم بين جميع السكان والمبني على مفهوم المواطنة والمساواة والعدل. إن وزر السياسات الإقتصادية والإجتماعية الجائرة، حتى في مجتمعاتنا المتطورة، لها تأثيرها الجسيم على تربية الأولاد، كما على الإهتمام بالمرضى والمسنِّين. من جهة أخرى، تُعتبر ظاهرة الإدمان على الكحول او المخدرات أو العاب الحظ، تعبيراً عن هذه التناقضات الإجتماعية وعن الضيق الذي تسبِّبه في حياة العائلات. كما أن تراكم الثروات في أيدي أقلية من الناس وتحويل وجهة الموارد المخصَّصة للمشروع العائلي، تزيد من إفقار العائلات في العديد من مناطق العالم. |4-254| ضعف العائلة وقوتها 10- تشكو العائلة، وهي الجماعة الإنسانية الأساسية، من ضعفها وهشاشتها في خضم الأزمة الثقافية والإجتماعية الراهنة. لكنها لا تتوانى عن إثبات قدرتها الذاتية وجرأتها إزاء عدم كفاءة أو حتى غياب المؤسسات المعنية بتنشئة الأشخاص والسهر على نوعية الحياة الإجتماعية، خصوصاً في واجب الإهتمام بمن هم الأكثر ضعفاً. لمن الضروري إذن أن نولي قوة العائلة قدرها الحقيقي، للتمكن من الدفاع عنها والمحافظة عليها في زمن ضعفها وأزمتها. إن قوة العائلة هذه تكمن في طاقتها وقدرتها على الحب والتنشئة عليه. فمهما كان جرحها، يمكن للعائلة أن تنمو وتكبر باستنادها على الحب. |7-253| الفصل الثاني: العائلة والواقع الإجتماعي الإقتصادي العائلة، نبع المجتمع الذي لا بديل له 11- "العائلة هي مدرسة الإغتناءالإنساني (...) إنها أساس المجتمع" (فرح ورجاء، 52). إن روابط القربى التي تتخطى دائرة العائلة الصغيرة، تقدِّم دعماً ثميناً في تربية الأولاد ونقل القيم والمحافظة على الروابط ما بين الأجيال والإغتناء من روحانية وجودية مُعاشة على أرض الواقع. هذه النظرة الى العائلة التي ما زالت راسخة في الثقافة الإجتماعية في العديد من الأماكن، تبدو متراجعة في أماكن أخرى. من البديهي أنه في عصر تجزأت فيه، وبقوة، الأوضاع الحياتية بكافة نواحيها، تشكِّل العلاقات بين العائلة القريبة والأكثر بعداً، الرابط الوحيد مع البدايات والجذور العائلية. ودعم الشبكة العائلية يصبح أكثر إلحاحاً حيث حركة العمل والهجرة والكوارث تعرِّض النواة العائلية للخطر. |1-256| السياسات الداعمة للعائلة 12- يجب على السلطات القيِّمة على الخير العام ان تشعر جدياً بالتزامها تجاه هذا الخير الإجتماعي الأساسي: العائلة. كما يجب أن يتركَّز الهمُّ الأول في إدارة المجتمع المدني على تعزيز سياسات عائلية تدعم وتشجع العائلات، خصوصاً تلك التي تعاني من صعوبات. من الضروري الإعتراف، واقعياً وبطريقة ملموسة، بدور العائلة التعويضي في المجتمع في إطار برامج الـرعاية، “Welfare”، لأن العائلة تساهم في إعادة توزيع الموارد وتقوم بواجبات ضرورية للخير العام وتساعد في دوزنة الإرتدادات السلبية للتفاوت الإجتماعي. "تستحق العائلة اهتماماً خاصاً من قبل القيِّمين على الخير العام لأنها تشكل النواة الأساسية للمجتمع، التيتوفِّرعلاقاتمتينةللوحدةترتكزعليهاالحياةالبشريةالمشتركةإذتؤمِّنمنخلالالإنجاب وتربيةالأولاد،المستقبلوالتجددللمجتمع".(البابافرنسيس،مطاربوليفياالدولي،8تموز2015).|5-253| عزلة وهشاشة 13- في الأطر الثقافية حيث الأنماط الحياتية تتَّسم بالأنانية، تُضحي العلاقات الإنسانية هشَّة وضعيفة والعزلة أكثر فأكثر شيوعاً. وحدها فكرة حضور الله يمكنها ان تدعم الأشخاص في مواجهة هذا الفراغ. فالشعور العام بالعجز إزاء واقع إجتماعي إقتصادي مثقل بالفقر المتزايد وعدم الإستقرار في العمل، تدفع الإنسان الى الإبتعاد عن عائلته لتأمين عيشها، مما يرتِّب فترات طويلة من الغياب والإبتعاد تُضعف العلاقات العائلية وتعزل أفراد العائلة بعضهم عن بعض. في هذا الإطار تقع على الدولة مسؤولية توفير الشروط المناسبة على صعيد التشريع، كما على صعيد العمل، لضمان مستقبل الشباب ومساعدتهم على تحقيق مشروعهم لبناء عائلة. والفساد الذي يفخِّخ، أحيانا، المؤسَّسات يقوِّض بالعمق ثقة وآمال الأجيال الجديدة. النتائج السلبية لهذا الإنحطاط واضحة وأكيدة: من الأزمة السكانية، الى المشاكل التربوية وصعوبة استقبال الحياة الوليدة، الى الشعور بالرزوح والعبء الذي قد يُحدثه حضور الأشخاص المسنين، وصولاً الى الإستسلام لضيق عاطفي يؤدي احياناً الى القسوة والعنف. |5-255| إقتصاد وعدالة 14- تؤثر الأوضاع الإقتصادية والمادية في حياة العائلة في الإتجاهين: فهي تُسهم في نموِّها وتَطوُّرِها من جهة، وتقف من جهة أخرى في طريق تفتحها الإنساني ووحدتها. وبسبب الصعوبات الإقتصادية تغدو العائلات مستبعدة عن الإستفادة من الخدمات التربوبة والحياة الثقافية والإجتماعية الناشطة. يُنتج النظام الإقتصادي الراهن اشكالاً عدة من الإقصاء الإجتماعي، فالعائلات تشكو خصوصاً من الصعوبات المتعلقة بالعمل. يشكو الشباب من قلة فرص العمل، والعروض تبقى نخبوية وهشَّة، أيام العمل طويلة ومثقلة في أغلب الأحيان بالمسافات البعيدة. هذا لا يساعد العائلات على اللقاء فيما بينها وحول أبنائها لبناءالعلاقات اليومية. إن تحسين مستوى الإنصاف في هذ المجال يتطلب قرارات وبرامج عمل، آليات ومسارات موجَّهة خصيصاً نحو توزيع أفضل للموارد. (فرح الإنجيل 204) وتفعيل الدعم الكامل للفقراء. كما أن وضع السياسات العائلية الملائمة، أصبح أمراً ملحاً: إنها الشروط الضرورية لبناء مستقبل قابل للعيش بانسجام وكرامة. |5-256| فقر وإقصاء 15- هناك بعض الجماعات الدينية والإجتماعية التي تجد نفسها دائماً على هامش المجتمع: إنهم المهاجرون والمسافرون دوماً وأولئك الذين لا مسكن ثابت لهم واللاجئون والذين لا رغبة لأحد بوجودهم بحسب النظام الطبقي وأخيراً، أولئك المصابون بأمراض موصومة إجتماعياً. لقد اختبرتعائلةالناصرةالمقدسة،هيأيضاً،مرارةالإقصاءوالرفض(راجعلو2/7؛متى2/13-15). وكلمات يسوع عن الدينونة الأخيرة واضحة في هذا الشأن: "كل مرة تفعلون هذا لأحد إخوتي هؤلاء الصغار فلي أنا فعلتموه" (متى 25/40). النظام الإقتصادي الحالي يُنتج أشكالاً جديدة من التهميش الإجتماعي، تجعل الفقراء غير مرئيين في نظر المجتمع، كما أن الثقافة السائدة وتأثير وسائل التواصل تزيد من خطورة هذا الوضع، حيث لم يعد الإنسان في قلب هذا النظام، لقد استُبعد من الوسط واستُبدل بشيء آخر، بسبب انتشار العبادة الصنميَّة للمال وعولمة آفة اللامبالاة". (البابا فرنسيس، للمشتركين في اللقاء العالمي للحركات الشعبية، 28 تشرين الأول 2014). في هذا الواقع يجب إيلاء الأولاد عناية خاصة لأنهم الضحايا الأولى للإستبعاد الذي يجعل منهم "أيتاماً إجتماعيين" حقيقيين ويترك فيهم أثراً مأسوياً طوال حياتهم. ورغم الصعوبات الهائلة التي تواجهها عائلات فقيرة، فهي لا زالت تحاول جاهدة للعيش بكرامة في حياتها اليومية، بالإتكال على الله الذي لا يخيِّب ولا يتخلَّى عن أحد. |5-255| البيئة والعائلة 16- تتمنى الكنيسة، بدفع من السلطة الحبرية، ان يُعاد التفكير عميقاً بتوجه النظام العالمي. وهي تشترك في هذا الإطار، بتطوير ثقافة بيئية جديدة من خلال فكر وسياسة وبرنامج تربوي، كما من خلال نمط حياتي وروحانية. وبما أن كل النواحي تعتبر مترابطة في هذا المجال، كما يؤكد البابا فرنسيس في رسالته Laudato Si، فمن الضروري التعمُّق بالأبعاد الشاملة لـ"علم بيئي متكامل" يتضمن، ليس فقط الأبعاد البيئية المحيطة بل أيضاً الأبعاد الإنسانية، الإجتماعيةوالإقتصادية،فيسبيلنمومستداميحافظعلىالخليقة.العائلة،التيتُشكلجزءًمن البئيةالإنسانية بصورة خاصة، يجب ان تُصان هي أيضاً بالطريقة الملائمة.(راجع يوحنا بولس الثاني، السنة المئة، 38) لأنه من خلال العائلة يمكننا الإنتماء الى الخليقة أجمع، فنُسهم، بطريقة خاصة، بتعزيز عملية حماية البيئة ونتعلم معنى ان يكون لنا جسد، كما نتعلم لغة الإختلاف بين الرجل والمرأة التي يملؤها الحب، فنُسهم في تدبير الله الخالق. (راجع Laudato Si، 5، 155). إن وعي ذلك كله يتطلب توبة حقيقية تُعاش في قلب العائلة، حيث تتفتح سلوكيات الحب الأولى وإرادة المحافظة على الحياة، بالإستعمال السليم للأشياء، بالترتيب والنظافة واحترام النظام البيئي المحلي وحماية كل الكائنات المخلوقة. العائلة هي إطار التنشئة المتكاملة، حيث يُختبر النضوج الشخصي في كافة نواحيه المترابطة عضوياً فيما بينها. (راجع Laudato Si، 213). |8-254| الفصل الثالث: العائلة، الإندماج والمجتمع العمر الثالث أو الشيخوخة 17- المحافظة على الرابط ما بين الأجيال، لنقل الإيمان وقيم الحياة الأساسية، هي إحدى مهام العائلة المسيحية الأكثر أهمية وإلحاحاً. ما زال العدد الكبير من العائلات يحترم الأشخاص المسنِّين، يحيطهم بالعاطفة ويرى فيهم مصدراً للبركة. ومن الواجب تقديم شهادة عرفان وتقدير خاص للجمعيات والحركات العائلية التي تُعنى بالمسنين على الصعيدين الروحي والإجتماعي، خصوصاً تلك التي تعمل بتنسيق مع الكهنة، المولجين بخير النفوس. وفي بعض الأوساط، يُعتبر الأشخاص المسنُّون بمثابة غنى للمجتمع إذ يؤمِّنون له الإستقرار والديمومة وذاكرة العائلات والمجتمعات. في المجتمعات الصناعية المتقدمة، حيث يميل عدد الأشخاص المسنِّين الى الزيادة مقابل التراجع في عدد الولادات، يمكن أن يُنظر اليهم كعبء، لأن العناية التي يتطلبونها تجعل المقرَّبين منهم في وضع صعب. "الأشخاص المسنُّون هم رجال ونساء، آباء وأمهات ساروا أمامنا على الطريق نفسها التي نسير عليها في بيتنا، وفي الجهاد اليومي لأجل حياة كريمة. إنهم رجال ونساء تَعلَّمنا منهم الكثير. فالشخص المسنُّ ليس من كوكب آخر، إنه نحن، بعد قليل من الوقت، أو بعد زمن طويل آتٍ لا محال، حتى لو لم نفكر به. وإن لم نتعلم حسن معاملة الأشخاص المسنِّين فسوف نُعامل نحن بالطريقة عينها" (البابا فرنسيس، مقابلة عامة، 4 آذار 2015). |1-259| 18- وجود الجدَّين في العائلة يستحق اهتماماً خاصاً لأنهم الحلقة التي تربط ما بين الأجيال وتؤمِّن التوازن العاطفي–النفسي من خلال نقل العادات والتقاليد والقيَم والفضائل، ليتعرَّف من خلالها الشباب الى جذورهم. ومن جهة أخرى، يُشارك الجدَّان أولادهما بالتفكير في المسائل الإقتصادية والتربوية وبنقل الإيمان الى الأحفاد. يَخلُص الكثير من الأشخاص الى أن الفضل في تنشئتهم على الحياة المسيحية يعود الى جدَّيهم. وهذا يُذكِّرنا بما يقوله كتاب ابن سيراخ: "لا تتهرَّب من محادثة الشيوخ – فهم أنفسهم تعلَّموا من آبائهم – لأن معهم تكتسب الفهم وفن الإجابة في الوقت المناسب" (سيراخ 8/9). نرجو ان يُنشر الإيمان في العائلة وعلى توالي الأجيال، وان يُحافَظ عليه كإرثٍ ثمين للعائلات الجديدة. |1-258| الترمُّل 19- الترمُّل هو اختبارٌ ذات صعوبة خاصة لِمن عاش خيار الحياة الزوجية والعائلية كعطيةٍ من الله. لكن على ضوء الإيمان، يمكن مقاربة هذا الإختبار بطرق مختلفة. قد يُحسن البعض استعمال طاقاتهم، ومنذ بداية حالة الترمِّل، بالتزامٍ اكبر تجاه اولادهم واحفادهم، إذ يكتشفون رسالة تربوية من خلال التعبير عن محبتهم. بمعنى آخر، قد يُملأ الفراغ الذي يُخلِّفه غياب الشريك بعاطفة الأقارب الذين يقدِّرون الأشخاص الأرامل ويعطونهم بذلك فرصة المحافظة على ذاكرة زواجهم الغالية. اما الاشخاص المترمِّلون المحرومون من وجود أقارب الى جانبهم، يختبرون معهم التفاني في العطاء والعطف المتبادل، فيجب ان يُساعدوا من قبل الجماعة المسيحية باهتمام وجهوزية، خصوصاً اذا كانو يعيشون في حالة فقر. ويمكن للأشخاص المترمِّلين ان يحتفلوا من جديد بالإتحاد الزوجي، دون ان يمسَّ ذلك بقيمة زواجهم السابق (راجع 1 كو 7/39). أظهرت الكنيسة، في بداية تاريخها وخلاله، اهتماماً خاصاً تجاه النساء الأرامل (راجع 1 تيموتاوس 5/3–16) وصل الى حدِّ تأسيس l’ordo viduarum(رهبنة النساء الأرامل) التي يمكن إعادة تفعيلها في ايامنا. |5-255| سنوات الحياة الأخيرة والحِداد في العائلة 20- المرض، الحادث او الشيخوخة الذين يؤدُّون الى الموت، لهم ارتداداتهم على الحياة العائلية. واختبار الحداد يصبح مؤلماً بصورة خاصة، عندما يتعلق الأمر بموت طفل او شاب. هذا الإختبار الصعب يتطلب عناية رعوية خاصة على مستوى الجماعة المسيحية. إن تقدير لحظات الحياة الأخيرة اصبح ضرورة قصوى في ايامنا حيث يحاول الجميع، بكل الوسائل، تجاهل لحظة الموت. إن ضعف الأشخاص المسنِّين وعدم استقلاليتهم توضع في اطار ربح او استفادة احادية، لأسباب بحت اقتصادية. عائلات كثيرة تُبيِّن لنا امكانية مواجهة مراحل الحياة الأخيرة من خلال تركيزها على مفهوم اكتمال الحياة بدمجها في السرِّ الفصحي. كثير من الأشخاص المسنِّين يُستقبلون في بنى كنسيَّة، حيث يمكنهم العيش في جو سلامي وعائلي، على الصعيدين المادي والروحي. الموت الرحيم والإنتحار المُساعَد (assisté) يشكلان تهديدين خطيرين لكل العائلات في العالم أجمع. ممارستهما قد اكتسبت شرعيتها القانونية في دول كثيرة. الكنيسة، إذ تشجب بصرامة هذه الممارسات، تشعر بواجب مساعدة العائلات التي تعتني بأفرادها المسنَّين والمرضى، ونشر كرامة وقيمة الشخص البشري بكل الوسائل، حتى النهاية الطبيعية لحياته. |3-257| الأشخاص ذوو الحاجات الخاصة 21- يجب ان نلقي نظرة خاصة على العائلات التي لديها افراد مصابون بإعاقة. فالإعاقة التي تظهر في حياتهم تشكِّل تحدياً عميقاً ومفاجئاً، يقوِّض كل التوازنات والرغبات والإنتظارات. صدمة الإعاقة هذه تولِّد مشاعر متناقضة وتَحُثُّ على اتخاذ وإدارة القرارات الصعبة مع ما تفرضه من واجبات واعمال مستجِّدة وملحَّة ومسؤوليات جديدة، مما يعكِّر صفو العائلة، في صورتها وسياق حياتها. اما العائلات التي تتقبَّل بمحبة هذه المحنة الصعبة، اي ان يكون لها ولد مصاب بإعاقة، فتستحق كل تقديرنا لأنها تُقدِّم للكنيسة والمجتمع شهادة وفاء ثمينة لعطية الحياة، سوف تكتسب العائلة من خلالها، مع كل الجماعة المسيحية، تعابيراً ولغاتٍ ومقارباتٍ جديدة للفهم وللهوية عن طريق احتضان سرِّ الضعف والإهتمام به. الأشخاص المصابون بإعاقة يشكلون، بالنسبة للعائلة، عطية وفرصة للنمو في الحب وفي التعاون المتبادل والوحدة. تودُّ الكنيسة، عائلة الله، ان تكون بيتاً حاضناً لكل العائلات التي يعاني احد افرادها او اكثر من الإصابة بإعاقة. (راجع يوحنا بولس الثاني، عظة لأجل يوبيل حاملي الإعاقة، 3 كانون الأول 2000). إنها تساهم بمساعدتهم في علاقاتهم العائلية وفي تربيتهم، إذ تقدِّم لهم وسائل المشاركة في حياة الجماعة الليتورجية. اما بالنسبة للأشخاص المصابين بإعاقة الذين يعيشون في وحدة، بعيداً عن اي اطار عائلي، قد تشكل المؤسسات الكنسيَّة المتخصِّصة للإستقبال والرعاية، عائلتهم البديلة. والمجمع يعبِّر لهذه المؤسسات عن امتنانه ودعمه العميق. إن مسار الإندماج هذا يبدو أكثر صعوبة في المجتمعات التي ما زالت ذهنية وَصْم المريض او المصاب باعاقة واطلاق الأحكام المسبقة عليه، حاضرة فيه بقوةٍ، تصل في بعض الأحيان الى حدِّ اعتماد نظرية التطهير (eugénisme). مع ذلك هناك الكثير من العائلات والجماعات والحركات الكنسيَّة ما زالت تكتشف وتحتفل بعطايا الله في هؤلاء الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة، خصوصاً في قدرتهم الفريدة على التواصل والجمع. لفتة خاصة تُوجَّه للأشخاص المصابين بإعاقة، الذين ظلوا على قيد الحياة بعد رحيل اهلهم وعائلتهم الكبيرة التي دعمتهم طيلة حياتهم. إن موت الأشخاص الذين احبُّوهم يجعلهم أكثر عرضة وضعفاً. وعلى صعيد العائلة التي ترتضي، بمنطق الإيمان، حضور الأشخاص المصابين باعاقة في كنفها، فيمكنها ان تميِّز وتضمن نوعية وقيمة كل حياة، في حاجاتها وحقوقها وفرصها. ستلتمس للشخص المصاب الخدمات والعلاجات المناسبة وتؤمِّن حضوراً محباً وعطوفاً في كل مراحل حياته. |4-256| الأشخاص العازبون 22- كثيرون من الأشخاص الذين لم يتزوجوا تفرَّغوا، ليس فقط لشؤون عائلاتهم، بل لتقديم الخدمات الجمَّة في دائرة اصدقائهم وجماعتهم الكنسيَّة او حياتهم المهنية. لكن رغم ذلك، غالباً ما يبقى حضورهم ومساهتمهم دون مستوى التقدير الواجب، مما يشعرهم بالوحدة. ويتحلَّى هؤلاء الأشخاص غالباً بدوافع نبيلة تقودهم الى الإنخراط الكامل في المجالات الفنية والعلمية وتلك التي تُعنى بالخير العام. كما يضع الكثيرون منهم كفاءتهم في خدمة الجماعة المسيحية، في إطار نشاطات المحبة والتطوُّع. ثم هناك النساء اللواتي لم يتزوَّجن لأنهنَّ دخلن في الحياة المكرَّسة حباً بالمسيح وبإخوتهنَّ. إلتزام النساء هو مصدر غنى للعائلة سواء في الكنيسة او في المجتمع. |4-252| مهاجرون، لاجئون ومضطهدون 23- تستحق ظاهرة الهجرة، نظراً لتأثيرها على العائلة،ُ اهتماماً رعوياً خاصاً. وهي تطال، وإن بطرق مختلفة، شعوباً باكملها وفي مناطق عديدة من العالم. وقد لعبت الكنيسة دوراً متقدماً في هذا المجال. واليوم، وأكثر من اي وقت مضى، أصبحت المحافظة على هذه الشهادة الإنجيلية وتطويرها أمراً ضرورياً وملحاً (راجع متى 25/35). إن تاريخ البشرية هو تاريخ هجرة. وهي الحقيقة المكتوبة في حياة الشعوب والعائلات قاطبة؛ حتى ايماننا لا ينفك يعيد على مسامعنا بأننا كلنا حجَّاج. قناعة من شأنها ان تولِّد لدينا فهماً وانفتاحاً ومسؤولية أكبر في مواجهة تحديات الهجرة، سواء تلك التي تُعاش بالألم والمعاناة ام تلك التي تُعتبر فرصة جديدة. إن حركة الأشخاص التي تتناسب مع حركة تاريخ الشعوب الطبيعية، يمكن ان تظهر لنا كغنى حقيقي، إن بالنسبة للعائلة المهاجرة او للبلد الذي يستقبلها. اما هجرة العائلات القسرية الناتجة عن اوضاع حروب واضطهادات وفقر وظلم، فهي شيء آخر. فهي مطبوعة بصعوبات السفر ومخاطره، وتصيب الأشخاص بصدمة وتهدِّد بتقويض استقرار هذه العائلات. تتطلب مرافقة المهاجرين رعوية خاصة موجهة الى العائلة المهاجرة كما الى افرادها الباقين في بلدهم الأم. وينبغي أن تتم هذه المرافقة بالإحترام لثقافة الأشخاص المهاجرين ولتنشئتهم الدينية والإنسانية، وللغنى الروحي في طقوسهم وتقاليدهم. ومن الأفضل ان تأخذ هذه المبادرة شكل رعوية خاصة: "إنه لمن المهم اعتبار المهاجرين، ليس فقط على مستوى قانونية أو عدم قانونية أوضاعهم واقامتهم، لكن كأشخاص يمكن لهم، إذا حُفظت كرامتهم، المساهمة بازدهار ونمو الجميع، خصوصاً عندما يتحمَّلون مسؤولية واجباتهم نحو البلد المضيف، باحترامهم لإرثه المادي والروحي وإطاعة قوانينه والمساهمة بأعبائه. (البابا فرنسيس، رسالة في اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين، 12 أيلول 2015). الهجرات هي دائماً مأسوية وجارفة للعائلات وللأفراد، خصوصاً عندما تحدث خارج إطار الشرعية ومن خلال شبكات عالمية منظمة للإتجار بالبشر. كذلك الأمر بالنسبة للنساء والأطفال المتروكين لذاتهم والمجبرين على الخضوع لفترات إقامة مطوَّلة في اماكن للعبور او مخيمات للاجئين، يستحيل فيها تصوُّر اية امكانية للإندماج. وفي بعض الأحيان تؤدي هذه الأوضاع، اضافة الى الفقر المدقع واستحالة الإندماج في المجتمع المضيف، الى بيع العائلة لأولادها بهدف الدعارة او تجارة الأعضاء. |4-253| 24- إن التلاقي ببلد جديد وثقافة جديدة يغدو أكثر صعوبة عندما لا تتوفر شروط الإستقبال والقبول الحقيقي المبني على احترام حقوق الجميع في اطار تعايش سلمي ومتضامن. والجماعة المسيحية معنيَّة بهذا الواجب بصورة مباشرة: "إن مسؤولية توفير الإستقبال الحسن والتضامن والمساعدة للاجئين، يعود أولاً الى الكنيسة المحلية. فهي مدعوة لأن تجسِّد متطلبات الإنجيل بالتوجه،دونتمييز،الىهؤلاءالأشخاصالذينيعانونالعوزوالوحدة" (المجلس الحبريCor unum والمجلس الحبري من أجل راعوية المهاجرين واللاجئين، 26). ألم الإبتعاد عن الوطن والحنين الى الجذور الضائعة وصعوبات الإندماج تغدو اليوم، وفي الكثير من الحالات، من الصعوبات القاهرة التي تتسبب بآلام جديدة حتى بالنسبة للأجيال الثانية والثالثة للعائلات المهاجرة، اذ تُنمِّي ظاهرة الأصولية في أوساطهم وتُنتج نزعةً الى الرفض العنيف لدى الثقافة التي تستقبلهم. لتخطي هذه الصعوبات، يُعتبر التلاقي ما بين العائلات وسيلة في غاية الأهمية، وغالباً ما تلعب النساء دوراً مهماً في مسار الإندماج، من خلال تبادل الخبرات في موضوع تربية الأولاد. بالفعل، حتى في حالة الهشاشة، تشهد النساء، فعلياً، لثقافة الحب العائلي الذي يشجع العائلات الأخرى على استقبال الحياة وحمايتها بإظهار تضامنهنَّ. للنساء القدرة على نقل الإيمان الحي بالمسيح الى الأجيال الجديدة، هذا الإيمان الذي ساعدهنَّ في اختبار الهجرة الأليم فازداد بذلك ثباتاً وقوة. أما الإضطهادات التي يتعرض لها المسيحيون والأقليات الإثنية والدينية في اماكن عديدة من العالم، بخاصة في منطقة الشرق الأوسط، تشكِّل امتحانا كبيراً ليس فقط للكنيسة، بل للجماعة الدولية ككل. واي جهد يهدف الى دعم عائلات وجماعات مسيحية في بلدهم الأم، يجب ان يلقى كل الدعم. وقد أكَّد البابا بنديكتوس السادس عشر بأن "الشرق الأوسط، بدون المسيحيين أو مع العدد القليل منهم، لن يكون هو الشرق الأوسط نفسه، لأن المسيحيين يشاركون مع المؤمنين الآخرين في تكوين الهوية الخاصة بهذه المنطقة (ارشاد رسولي، كنيسة الشرق الأوسط، 31). |5-255| تحديات خاصة 25- لا تزال عادة تعدُّد الزوجات قائمة في بعض المجتمعات. ولا يزال "الزواج المدبَّر" سائداً في أماكن أخرى. أما في البلدان ذات الوجود المسيحي الأقلَّوي، فتكثر الزيجات المختلطة –مع عدم التكافوء في ممارسة الطقوس– ومع كل الصعوبات التي تتضمنُّها من النواحي القانونية كما من ناحية معمودية الأولاد وتربيتهم والإحترام المتبادل في ظل الإختلاف في الإيمان. قد تحمل هذه الزيجات مخاطر عديدة كالنزعة النسبية (relativisme) واللامبالاة الدينية،على سبيل المثال، كما يمكنها، من جهة أخرى، أن تعزِّز روح المسكونية وحوار الأديان في تعايش منسجم ما بين الجماعات المختلفة والمقيمة في أماكن واحدة. وفي مناطق عديدة، لا تنحصر في الغرب فقط، نشهد إنتشاراً واسعاً للمساكنة الحرة قبل الزواج أو حتى بدون أي قصد للإرتباط المؤسَّسي، يضاف اليه في الغالب تشريعاً مدنياً يُهدِّد الزواج والعائلة. كما نلحظ في أماكن عديدة من العالم ، وبتأثير العلمنة الجذرية، تراجعاً كبيراً في العودة الى المرجعية الإلهية كما في النظرة الى الإيمان كشأن إجتماعي مشترك. |15-242| الأولاد 26- الأولاد بركة من الله (راجع تك 4/1) يجب أن يحتلوا المكانة الأولى في الحياة العائلية كما في عمل الكنيسة الرعوي: "في الواقع يمكن الحكم على المجتمع من خلال الطريقة التي يعامل بها الأولاد أدبياً وإجتماعياً، أي الحكم إذا كان هذا المجتمع حرّاً أم أسير مصالح دولية. (...) يذكرنا الأولاد (...) بأننا نبقى دائماً أولاداً (...) وبأننا لم نعطِ الحياة لأنفسنا بل تلقيناها ( البابا فرنسيس، مقابلة عامة، 18 آذار 2015). ومع ذلك، غالباً ما يصبح الأولاد موضوع نزاع بين الأهل، والضحايا الحقيقيين للتمزُّق العائلي. فحقوق الأولاد ما زالت مهملة بأشكال شتى. في بعض الأماكن من العالم يُعتبر الأولاد سلعة ويُعاملون كعمَّال ذات أجرٍ زهيد، يُستغلون في الحرب ويعانون كل أنواع العنف الجسدي والنفسي. والأولاد المهاجرون هم عرضة لمختلف أنواع الآلام. كما أن الإستغلال الجنسي للأولاد يشكل أكثر الحالات إستهجاناً وإنحرافاً في مجتمعنا الحالي. والمجتمعات التي يسودها العنف بسبب الحرب والإرهاب أو الجريمة المنظمة، فتشهد بحق تسارعاً في تردِّي الأوضاع العائلية، كما تنمو وتنتشر ظاهرة أولاد الشوارع في العواصم الكبرى وفي ضواحيها بطريقة مأسوية. |2-256| المرأة : 27- المرأة تلعب دوراً حاسماً في حياة الأشخاص، في العائلة وفي المجتمع. "كل شخص بشري يدين بحياتهلأمكمافيجزءكبيرمنوجودهومنتنشئتهالإنسانيةوالروحية"(البابا فرنسيس، مقابلة عامة، 7 كانون الثاني 2015). فالأم تحمي ذاكرة الولادة وحسَّها: "مريم كانت تحفظ كل هذه الأمور وتتأمل بها في قلبها" (لوقا 2/19،51) لكن هذا لا ينفي التمايزات التي تطبع الواقع النسائي في العالم والتي تعود بشكل أساسي الى عوامل إجتماعية-ثقافية. يجب الدفاع عن كرامة المرأة وتعزيزها، وهذه المسألة لا تتوقَّف على ناحية الموارد الإقتصادية، بل تتعلَّق أيضلً برؤية ثقافية مغايرة، كما تظهره أوضاع الحياة الصعبة للنساء في بلدان عديدة حديثة النمو. في أيامنا أيضاً، وفي أوضاع كثيرة، تشكل المرأة موضوعاً للتمييز الإجتماعي، إذ تعاقب الأمومة بدل أن تُقدَّر. وفي بعض الثقافات، يشكِّل العقم أيضاً مصدراً للتمييز ضد المرأة. ولا يجب أن ننسى كذلك ظواهر العنف المتزايدة ضد المرأة في قلب العائلة. فاستغلال النساء وأشكال العنف الممارسة ضد جسدهنَّ ترتبط غالباً بالإجهاض والتعقيم القسري. الى هذا كله تُضاف النتائج السلبية لممارسات متعلقة بالإنجاب، كالحمل للآخرين، أو تجارة الأمشاج (gamètes) والأجنَّة (embryons). ويتطلب التحرر النسائي إعادة التفكير بتوزيع المهام بين الزوجين وبمسؤوليتهما المشتركة في إطار الحياة العائلية. فالرغبة بإنجاب ولد مهما كلَّف الثمنلمتزِدمنسعادةومتانةالعلاقاتالعائلية،بلعلىالعكس،زادتفيكثيرمنالحالاتحدةالتفاوتبينالنساءوالرجال.وللمساهمةبالإعترافبدورالنساءالحاسمعلىالصعيدالإجتماعي، يمكننا العمل على تثمين هذا الدور في قلب الكنيسة: مشاركتهنَّ في آليات القرار كما في إدارة بعضالمؤسساتوإنخراطهنفيعمليةتنشئةالخُدَّامالمرسومينعلىمذابحالرب.|9-251| الرجل: 28- يلعب الرجل أيضاً دوراً مهماً في حياة العائلة، بخاصة على صعيد الحماية والدعم لإمرأته واولاده. والقديس يوسف هو النموذج عن هذه الصورة الأبوية. الرجل البار الذي، في الصعوبات والمخاطر، أخذ معه الطفل وأمه في الليل (متى 2/14) وجعلهما في أمان. رجال كثيرون يدركون أهمية دورهم في العائلة ويعيشونه بحسب المواصفات الذكورية. إن غياب الأب يترك تأثيره العميق في الحياة العائلية، بخاصة على صعيد تربية الأولاد وقدرتهم على الإنخراط في المجتمع. غياب الأب قد يكون جسدياً، عاطفياً، فكرياً، أو روحياً، وهو يحرم الأولاد من النموذج الأبوي المرجعي. على صعيد آخر لم يعوَّض بعد عن غياب المرأة عن البيت وإنخراطها المطَّرد في ميدان العمل، بإلتزام أكبر للرجال في الدائرة المنزلية. نشهد حالياً تراجعاً على مستوى إحساس الرجل بواجب الحماية لزوجته وأولاده ضد أي نوع من أنواع العنف او الإحباط. "الزوج ، يقول بولس، يجب أن يحب إمرأته "كجسده الخاص" (اف 5/28)؛ أن يحبها كما "أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه لإجلها" (اف5/25). لكن، أنتم أيها الأزواج (...) أتفهمون معنى ذلك ؟ أي أن تحبوا إمرأتكم كما احب المسيح الكنيسة ؟ (...) إن التفاني الكلي المطلوب من الرجل لأجل محبة زوجته وكرامتها، على مثال المسيح، يجب أن يكون له تأثيره الكبير في الجماعة المسيحية نفسها. إن جديد الإنجيل الذي يستعيد التبادلية réciprocité الأصلية ما بين الرجل والمرأة في التفاني والإحترام، قد شق طريقه شيئاً فشيئاً على مدى الأجيال ليضحي واقعاً راجحاً (البابا فرنسيس، مقابلة عامة، 6 أيار 2015). |4-257| الشباب: 29- ما زال العدد الكبير من الشباب يرى في الزواج رغبة حياته الكبرى، وفي العائلة تحقيقاً لتطلعاته. أما على أرض الواقع فتختلف مواقفهم وخياراتهم في ما يتعلق بهذا الأمر. فهم، غالباً، يصلون الى رفض الزواج بسبب الصعوبات الإقتصادية المتعلقة بالعمل أو الدراسة، وأحياناً لأسباب أخرى نابعة من تأثير الأيديولوجيات التي تحط من قيمة الزواج والعائلة، أو من فشل ازواج آخرين، أم لكونهم يهابون خيار الحياة الزوجية، إذ يعتبرونه أمراً عظيماً ومقدساً. أضف الى ذلك ما تقدِّمه سهولة المساكنة من فرص إجتماعية وحسنات اقتصادية، وتوجُّه الشباب نحو مفهوم عاطفي ورومنسي للحب، وخوفهم من فقدان الحرية والإستقلالية، ورفضهم لرابط يعتبرونه بحت مؤسَّساتي وبيروقراطي. الكنيسة تنظر بخشية الى حذر الكثيرين من الشباب من الزواج وتتألم عندما تشهد بأي اندفاع يقرر العديد من المؤمنين وضع حد لإلتزامهم الزوجي. فالشباب المعمَّدون مدعوُّون الى عدم التردد أمام الغنى الفائق الذي يؤمِّنه سر الزواج لمشروع حبهم، اذ تقوِّيهم نعمة المسيح التي ينالونها وامكانية المشاركة بالملء في حياة الكنيسة. من الضروري اذا تحديد الدوافع العميقة للتخلي والتخاذل. ويمكن للشباب ان يستعيدوا الثقة بالإلتزام الزوجي لدى رؤيتهم العائلات التي تقدِّم في الجماعة المسيحية نموذجاً لاختبار مستدام في الزمن يمكن الوثوق به والتعويل عليه. |8-249| الفصل الرابع: العائلة، العاطفة والحياة أهمية الحياة العاطفية 30- من يريد أن يعطي حباً، عليه ان يتلقَّاه كهبة. فالإنسان كما يقول لنا الرب، يمكنه بالتأكيد ان يصبح نبعاً تتدفق منه أنهار ماء حي (راجع يو 7/37-38). لكن لكي يصبح هذا النبع، عليه هو نفسه أن يشرب دائماً ومجدداً من النبع الأساسي الذي هو يسوع المسيح والذي من جنبه المطعون يتدفق حب الله. (راجع يو19/34)" (رسالة "الله محبة"، 7). الحاجة الى العناية بالنفس ومعرفة الذات والعيش بطريقة منسجمة مع العواطف والمشاعر والبحث عن علاقات عاطفية نوعية، يجب ان تؤول الى القدرة على اعطاء الحب للآخرين والرغبة في بناء علاقات خلاَّقة تعزز روح المسؤولية والتضامن كما يحدث في العائلة. فالتحدي بالنسبة للكنيسة هو، أذاً، في مساعدة الأزواج على النضوج في الحب، من خلال تشجيع الحوار والفضيلة والثقة بحب الله الرحيم. ان التفاني الكلّي الذي يتطلبه الزواج المسيحي هو النقيض القوي لنزعة الإنحراف الى حالة الوجود الفردية المنغلقة على الذات. |7-250| التنشئة على بذل الذات 31- نوعية العلاقات العائلية تؤثِّر بالدرجة الأولى على التنمية العاطفية للأجيال الجديدة. فسرعة التحوُّلات التي تتوالى في سياق الحياة المعاصرة، تزيد من صعوبة مرافقتهم في نموِّهم العاطفي. هذه المرافقة تتطلب عملاً رعوياً ملائماً، غني بالمعرفة العميقة للكتاب المقدس وللعقيدة الكاثوليكية ومزوَّد بأدوات تربوية مناسبة ومعرفة لسيكولوجية العائلة لكي تُنقَل الرؤية المسيحية بطريقة فعالة: هذا الجهد التربوي يجب ان ينطلق مع بداية التعليم المسيحي والتنشئة المسيحية التي ستُعنى بالتركيز على فضيلة العفة في مفهومها كعيشٍ داخلي للمشاعر يعزز إمكانية هبة الذات. |7-253| ضعف وعدم نضوج 32- يهدف العديد من التوجهات الثقافية في عالمنا المعاصر الى فرض نمط جنسي متفلِّت من كل حدود والى اكتشاف كل ابعاده، حتى الأكثر تعقيداً. مسألة الضعف او "سرعة العطب" العاطفي باتتموضوعاًآنياًبامتياز:العاطفةالنرجسيةالمتقلِّبةوالمتغيِّرةلاتساعدالشخصعلىالنضوج. نشجب بحزم قوة انتشار الاباحية وتجارة الجسد، المعزَّزة بسوء استعمال الإنترنت والدعارة القسريةواستغلالها.فيهذاالإطاريصبحالأزواجمترددينويصعبعليهمايجادالسبللنموِّهم. فكثيرون منهم قد يميلون الى البقاء في المراحل الأولى لحياتهم العاطفية والجنسية. وازمة الثنائيتقوِّضاستقرارالعائلةوتؤثرجدياً،عندالإنفصالوالطلاق،علىالجميع،كباراًوصغاراً، راشدينوأطفالاً،كماعلىالمجتمعككل،إذتُضعفالفردومعهالعلاقاتالإجتماعية.إنالتراجع الديمغرافيالعائدالىنموذهنيةمناهضةللإنجابومدعومةمنقبلسياساتعالميةفي"الصحة الإنجابية" تهدِّد الرابط بين الأجيال فتؤدي الى إفقار اقتصادي وفقدان معمَّم للرجاء. |6-249| تقنية وإنجاب بشري 33- الثورة الـ" بيوتكنولوجية " في مجال الإنجاب البشري أدت الى امكانية التلاعب بعمل الخلق، بجعله مستقلاً أو منفصلاً عن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة. فهي بهذه الطريقة تفك الإرتباطمابينالحياةالبشريةوالأبوةوالأمومة،وتجعلهماعرضةلرغباتالأفراداوالأزواج، الذين لم يعودوا بالضرورة زوجين من جنسين مختلفين. هذه الظاهرة برزت مؤخراً كجديد مطلق للبشرية واخذت تنتشر بطريقة متزايدة. كل ذلك له عواقبه العميقة على دينامية العلاقات كما على بنية الحياة الإجتماعية والتدابير التشريعية التي تقدِّم إطاراً منظماً لممارسات موجودة على ارض الواقع. في هذا الإطار، تشعر الكنيسة بضرورة قول كلمة حق ورجاء. يجب الإنطلاق من الإعتقاد الراسخ بأن الإنسان يأتي من الله ويحيا دائماً بحضوره: " الحياة البشريةمقدَّسةلأنها،منذبدايتها،تتضمنفعلاللهالخالقوتبقىبصورةدائمةفيعلاقةخاصة معه، لأنه غايتها الوحيدة. الله وحده هو سيد الحياة منذ بدايتها وحتى نهايتها: لا أحد يمكنه في اي ظرف من الظروف، ان يدَّعي لنفسه حق تدمير كائن بشري بريء" (مجمع عقيدة الإيمان، "Donum Vitae", introduction. 5؛ راجع يوحنا بولس الثاني، إنجيل الحياة، 53)|12-246| تحدّي العمل الرعوي 34- ان التفكير القادر على اعادة طرح المسائل الكبرى عن معنى الوجود الإنساني، يجد ارضاً خصبة في انتظارات الإنسانية العميقة. القيم الكبيرة للزواج والعائلة المسيحية تتناسب مع هذا البحث الذي لا ينفك يجتاز الوجود الإنساني، حتى في هذه الأزمنة المتأثِّرة بالنزعة الفردية والإيدونية (hédoniste) التي تقدِّس اللذة. يجب قبول الأشخاص بتفهُّم،من خلال واقعهم الحسِّي، ومعرفة كيفية دعم بحثهم عن المعنى. فالإيمان يشجع الرغبة بالله وارادة الشعوب بالإنتماء الكلي الى الكنيسة، حتى في حالات الفشل او الصعوبة، لأن الرسالة المسيحية تتضمن في طياتها واقعية ودينامية الرحمة والحقيقة، التي تلتقي كلها في المسيح: " حقيقة الكنيسة الأولى هي محبة المسيح. فهي تجعل نفسها خادمة ووسيطة هذا الحب الذي يذهب الى حد الغفران وبذل الذات ". وفي الخلاصة، حيث تكون الكنيسة، يجب ان تتجلى رحمة الآب (البابا فرنسيس،Misericordiae Vultus,12) . على المقاربة الرعوية للتنشئة على الحياة الزوجية والعائلية ان تأخذ بالإعتبار تعددية الأوضاع الواقعية الحسية. من ناحية، يجب تشجيع مسارات تضمن تنشئة الشباب على الزواج، ومن ناحية أخرى العمل على مرافقة الشباب الذين يعيشون بمفردهم، أو أولئك الذين لا يشكلون نواة عائلية جديدة فيبقى ارتباطهم غالباً بعائلتهم الأولى. والأزواج الذين حُرموا من الأولاد يجب ان يكونوا هم أيضاً، موضوع اهتمام رعوي خاص من قبل الكنيسة التي عليها ان تساعدهم على اكتشاف مخطط الله المتعلق بهم، لما فيه خدمة الجماعة كلها. جميعهم بحاجة الى نظرة تفهُّم، تأخذ بعين الإعتبار ان حالات الإبتعاد عن الحياة الكنسية ليست دائماً خياراً حراً من قبلهم، بل هي غالباً نتيجة تضليل او واقع قسري. لا يوجد مستبعدين في منظور الإيمان، فالكل محبوب من الله وهم في قلب عمل الكنيسة الرعوي. |11-254| القسم الثاني: العائلة في قصد الله 35- إن تمييز دعوة العائلة في الظروف المتعدِّدة التي ذكرناها في القسم الأول يتطلِّب توجيهاً واضحاً من خلال السير معاً والمرافقة. هذه البوصَلة هي كلمة الله في التاريخ ومِحورها الأساسي وذروتها هو يسوع المسيح، "الطريق والحق والحياة" لكل الرجال والنساء الذين يؤلفون عائلات. لذا نضع أنفسنا في حالة إصغاء لما تُعلِّمه الكنيسة عن العائلة، مستنيرين بالكتاب المقدَّس والتقليد. نحن مقتنعون أن هذه الكلمة تجاوب على الإنتظارات البشرية الأكثر عمقاً فيما يتعلَّق بالحب والحقيقة والرحمة، وهي توقظ قدرات الإستقبال وإعطاء الذات حتى في القلوب المجروحة والمنسَحِقة. وفي هذا السياق، نؤمن أن إنجيل العائلة يبدأ مع خَلق الإنسان على صورة الله الذي هو في جوهره حبٌّ، ويدعو الرجل والمرأة الى الحبِّ على مثاله (تكوين 1/26-27). إن دعوة الثنائي والعائلة الى شركة الحب والحياة تسْتمِرُّ في كل مراحل مخطَّط الله رغم محدودية الإنسان وخطيئته. فهذه الدعوة مبنيَّة منذ البدء على المسيح المخلِّص (راجع أفسس 1/3-7) الذي يُصْلِح ويرمِّم العهد الزوجي منذ بداياته (راجع مر 10/6) ويشفي قلب الإنسان (راجع يو 4/10) ويعطيه القدرة على الحب كما يحب المسيح كنيسته ويبذل ذاته في سبيلها (راجع أفسس 5/32). |2-259| 36- تأخذ هذه الدعوة شكلها الكنسي والرسولي من الرباط الأسراري الذي يكرِّس العلاقة الزوجية الغير قابلة للإنحلال بين الزوجين. فإن تبادل الـ"نعم" بينهما يعني إلتزام الزوجين بعطاء الذات والإستقبال المتبادل، التَّام والنهائي، فيصيران "جسداً واحداً" (يو 2/24). إن نعمة الروح القدس تجعل من إتحاد الزوجين علامة حيَّة لإتحاد المسيح بالكنيسة. وهكذا يصبح اتحادهما مصدر نِعَم غزيرة خلال كل حياتهما: خصوبة وشهادة، شفاء ومسامحة. يتحقق الزواج في شركة الحب والحياة، وتتحول العائلة الى خلية مبشِّرة؛ ويصبح الزوجان تلاميذاً ليسوع الذي يرافقهما في مسيرتهما نحو عمَّاوس. ويعرفانه عند كسر الخبز ويعودان الى اورشليم مستنيرين بأنوار قيامته (راجع لو 24/13-43). فالكنيسة تعلن للعائلة إتحادها بيسوع بفعل تجسُّده وانتمائه الى العائلة المقدَّسة، عائلة الناصرة. والإيمان يجعلنا نرى في هذا الإتحاد الغير قابل للإنحلال بين الزوجين إنعكاساً لمحبة الثالوث الأقدس المتجلَّية في وحدة الحقيقة والرحمة التي أعلنها يسوع. فهذا السينودس يترجم شهادة الكنيسة التي توجِّه الى شعب الله كلمة واضحة حول حقيقة العائلة حسب الإنجيل. ومهما كانت بعيدة فلا شيء يمنعها من أن تشعر بلمْسة تلك الرحمة، وتكون مدعومة بتلك الحقيقة. |3-256| الفصل الأول: العائلة في تاريخ الخلاص التربية الإلهية 37- طالما أن نظام الخلق محدَّد في توجهه نحو المسيح، لا بد من التمييز، دون فصل، للدرجات المختلفة التي أعطى فيها الله نعمة العهد للإنسانية. ففي علم التربية الإلهية، تتحقَّق غاية الخلق في الفداء على مراحل متتالية. من هنا يجب أن نفهم الجِدَّة في سر الزواج، وذلك في سياقالزواج الطبيعي القائم منذ البدء، بحسب نظامالخلق.ومنخلالهذاالمنظاريمكننافهمعملاللهالخلاصي فيالحياةالمسيحيةأيضاً.بماأنكلشيءخُلقبالمسيحوله (راجع كو 1/16) يكتشفالمسيحيون "بفرح واحترام بذور "الكلمة" الموجودة فيهم بطريقة خفية؛ وفي الوقت نفسه عليهم أن يظلوا متنبهين الى التحوُّل العميق الذي يتحقق بين الأمم" (المجمع الفاتيكاني الثاني، Ad gentes, 11). إن انخراط المؤمن في الكنيسة عبر المعمودية يكتمل بملئه من خلال الأسرار المسيحية الأخرى. وفي هذه الكنيسة البَيْتية التي هي عائلته يباشر بهذا "المسار الديناميكي الذي يتطوَّر شيئاً فشيئاً بفضل عملية التلقُّف التدريجية لعطايا الله" (الإرشاد الرسولي "Familiaris consortio"، 9) من خلال التوبة المستمرَّة بقوة الحب الذي يخلِّص من الخطيئة ويمنح ملء الحياة. وأمام التحديات المعاصرة للمجتمع والثقافة، يوجِّه الإيمان النظر نحو يسوع المسيح بالتأمل والعبادة لوجهه الأقدس. فقد نظر يسوع الى النساء والرجال الذين التقاهم، نظرة حب وحنان مرافقاً خطواتهم بالحق والصبر والرحمة، ومُعلِناً متطلبات ملكوت الله. "ففي كل مرة نعود الى منبع الإختبار المسيحي، تنفتح أمامنا طرق واحتمالات جديدة لم تكن في الحسبان" (البابا فرنسيس: سهرة الصلاة التحضيرية لسينودس العائلة في 4 تشرين الأول 2014). |6-252| أيقونة الثالوث في العائلة 38- إن الكتاب المقدَّس والتقليد يمكِّناننا من التعرُّف على الثالوث الذي يتجلَّى لنا بعلامات مألوفة. فالعائلة هي صورة الله، وهو ليس "عزلة" في جوهره، بل "عائلة"، بما أنه يحمل في ذاته الأبوة والبنوة والحب الذي هو جوهر العائلة" (يوحنا بولس الثاني في عظة القداس في لوس انجلس في 28 كانون الثاني 1979). الله هو شركة أقانيم. وفي المعمودية، يعلن صوت الآب أن يسوع هو الإبن الحبيب، ويُعرف الروح القدس من خلال هذا الحب (راجع مر 1/10-11). فالمسيح الذي صالح كل شيء في شخصه وخلَّص الإنسان من الخطيئة، لم يكتفِ بإعادة الزواج والعائلة الى شكلهما الأصلي، بل رفع الزواج وجعله علامة حُبِّه الأسرارية للكنيسة (راجع متى 19/1-12؛ مر 10/1-12؛ أفسس 5/21-32). ففي العائلة البشرية التي جمعها يسوع استعيدت من جديد صورة الثالوث الأقدس ومثاله (راجع تك 1/26)، هذا السر الذي يتدفَّق منه كل حب حقيقي. فالمسيح يمنح الزواج والعائلة نعمة الروح القدس من خلال الكنيسة، كي يتحوَّل الزوجان الى شهود للإنجيل ولحب الله حتى إكتمال العهد في اليوم الأخير في عرس الحمل (راجع رؤ 19/9؛ يوحنا بولس الثاني تعليم مسيحي حول الحب البشري). إن عهد الحب والأمانة الذي عاشته عائلة الناصرة يُنير أساس كل عائلة، ويجعلها قادرة على مواجهة تقلُّبات الحياة والتاريخ. وعلى هذه الأسس تستطيع كل عائلة، رغم ضعفها، أن تصبح نوراً في عتمة هذا العالم: "إنه لَدَرس عن الحياة العائلية. لنتعلَّم من الناصرة ما معنى العائلة وشركة المحبة، وبساطة وزهد جمالها وطابعها المقدس الغير قابل للإنتهاك؛ لنتعلَّم من الناصرة كيف تكون التنشئة التي تمنحنا إياها عذبة ولا بديل لها. ولنتعلَّم كذلك ما هو دور العائلة الأساسي من الناحية الإجتماعية (بولس السادس، خطاب في الناصرة في 5 كانون الثاني سنة 1964). |5-251| العائلة في الكتاب المقدَّس 39- إنالرجلوالمرأةيكمِّلانعملالخلقبحبهماالمُثمرويساهمانمعالخالقفيتاريخالخلاصعبر الأجيالالمتتالية(راجعتك1/28؛ 2/4؛9/1و7؛10؛17/2و16؛25/11؛28/3؛35/9و11؛47/27؛48/3-4). ويصفسفرالتكوين حقيقةالزواجبشكلهالمثاليالذيأعادنااليهيسوعفينظرتهللحبالزوجي. فالإنسانيشعربنقصه،كونهمحروماًمنعونٍ"يناسبه"،يدعمهويقومأمامه(راجع تك 2/18و20) فيحوارندِّي.فالمرأةهيمننفسطينةالرجل،ويتمثَّلذلكرمزياًبضلعه،وهي تشكِّلمعهجسداًواحداًكمايعلنذلكالرجلفينشيدحبه:"هذهالمرة،هوذاعظممنعظاميولحم منلحمي"(تك 2/23).وهكذايصبحالإثنان"جسداًواحداً"(راجع تك 2/24).هذهالحقيقةالأساسية من إختبار الزواج تتجلى في ذكر الإنتماء المتبادل الموجود في تعبير المرأة عن حبها في نشيد الأناشيد، حيث تستعاد صيغة العهد بين الله وشعبه (راجع أحبار 26/12): "حبيبي لي وأنا له" (نشيد 2/16؛ 6/3). وفينشيدالأناشيدنجدأنالتشابكالدائمبينالجنسواللذةوالحبلهمدلولاته، تماماً كما التلاقي بين البعد الجسدي والحنان والشعور والشغف والبعد الروحي وعطاء الذات الكامل. فرغم وعي الشريكين لوجود أوقات مظلمة مليئة بالغياب وبإنقطاع الحوار بينهما (راجع نشيد 3 و5)، تبقى لديهما ثقة أكيدة بقدرة الحب على تخطي كل صعوبة، لإن "الحب قوي كالموت" (نشيد 8/6). والنبوءة البيبلية للإحتفال بعهدالحببيناللهوشعبهلاتكتفيفقطبالعودةالىرمزالعرس(راجع أشعيا 54؛ إر 2/2؛ حز 16) بل الى الخبرة العائلية بكاملها، كما يُظهر ذلك النبيهوشعبشكلواضح.فاختبارهالزوجيوالعائليالمأساويدراماتيكي(راجع هو 1 و3)يشكِّلعلامة للعلاقة بين الله واسرائيل. فإن خيانات الشعب لا يمكنها أن تمحو حب الله الذي لا يُقهر والذي يظهره النبي مثل أبٍ يقود إبنه ويعيده اليه بقوة "روابط الحب" (راجع هو 11/1-4). |3-255| 40- إن كلمات الحياة الأبدية التي تركها يسوع لتلاميذه في تعليمه حول الزواج والعائلة تتضمَّن ثلاث مراحل أساسية في مشروع الله. في التكوين كان هناك عائلة البدء، عندما أسَّس الله الخالق الزواج الأول بين آدم وحواء كأساسٍ ثابت ومتين للعائلة. فالله لم يكتفِ بخلق الكائن البشري ذكراً وأنثى (راجع تك 1/27) بل إنه باركهما أيضاً كي يكونا مُثمرَين وينميا ويتكاثرا (راجع تك 1/28). لذلك "يترك الرجل أباه وأمه ويتَّحد بامرأته ويصيران معاً جسداً واحداً" (تك 2/24). وفيما بعد، عرف هذا الإتحاد، المجروح بالخطيئة، تغيُّرات متعدِّدة في الشكل التاريخي للزواج في قلب التقليد اليهودي: بين الزواج الأحادي وتعدُّد الزوجات، بين الديمومة والطلاق، بين المعاملة بالمثل وتبعيَّة المرأة للرجل. وإن تساهل موسى فيما يتعلَّق بإمكانية الطلاق (راجع تثنية 24/1) الذي استمر حتى أيام يسوع، يمكن فهمه في هذا الإطار. إن مصالحة العالم الضائع بمجيء المخلِّص لم تقف عند استعادة المشروع الإلهي الأصلي، بل قادت تاريخ شعب الله الى اكتمال جديد. لذا، لا يجب اعتبار لاإنحلالية الزواج (راجع مر 10/2-9) إرغاماً مفروضاً على الإنسان بل عطية مقدَّمة للأشخاص المتحدين بالزواج. |6-255| يسوع والعائلة 41- إن مثال يسوع هو نموذح للكنيسة. فٱبن الله جاء الى العالم من خلال عائلة، وعاش ثلاثين عاماً من الحياة الخفيَّة في الناصرة، في محيطها الإجتماعي والديني والثقافي (راجع يو 1/46). وخلال ثلاثين عاماً، لمس يسوع في مريم ويوسف الأمانة المُعاشة في الحب. وبدأ حياته العلنيَّة بإعجوبة قانا التي حقَّقها في سياق عرس (راجع يو 2/1-11). وأعلن إنجيل الزواج كملء للوحي الذي يستعيد مشروع الله الأساسي (راجع متى 19/4-6). وتقاسم يسوع أوقات صداقة يومية مع عائلة ألعازر وإخوته (راجع لو 10/38) ومع عائلة بطرس (راجع متى 8/14) وسمع بكاء الأهل على أولادهم مُعيداً إليهم الحياة (راجع مر 5/41؛ لو 7/14-15) ومُظهِراً بذلك المعنى الحقيقي للرحمة التي تفترض ترميم العهد (راجع يوحنا بولس الثاني، Dives in misericordia, 4). ويبدو ذلك جليَّاً في لقاءاته مع السامريَّة (راجع يو 4/1-30) والمرأة الزانية (راجع يو 8/1-11) اللتين أدركتا عمق خطيئتهما أمام حب يسوع المجَّاني. فالتوبة "هي المهمة المتواصلة للكنيسة جمعاء التي "تحتضن خطأة في أحشائها"، و"هي في الوقت نفسه مقدَّسة، مدعوَّة للتطهُّر، وهي تتابع جهدها التكفيري والتجدُّدي". وجهد التوبة هذا ليس عملاً بشرياً وحسب، بل هو حركة "القلب التائب" المتأثِّر والمنجذب بالنعمة الإلهية للإستجابة لحب الله الرحوم الذي بادر مسبقاً إلينا" (تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 1428). فالله يمنح غفرانه بمجانية لكل من ينفتح على عمل نعمته. وهذايحدثبالتكفيرواتخاذالقرارالنهائيبالإنقيادلمشيئةاللهالذييصالحنامعهبفيضرحمته. فقد وضع الله في قلوبنا إمكانية إتِّباع طريق الإقتداء بالمسيح. وكلمات يسوع وطريقة تصرفه تُظهر جلياً أن ملكوت الله هو الأفق الذي يعطي المعنى لكل علاقة (راجع متى 6/33). فالعلاقات العائلية ليست مطلقة بالرغم من أنها أساسية (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2232). وقد جعل يسوع الذين يستمعون اليه يضطربون كثيراً لأنه أظهر نسبيَّة العلاقات العائلية تجاه ملكوت الله (راجع مر 3/33-35؛ لو 14/26؛ متى 10/34-37؛ 19/29؛ 23/9). فهذه الثورة في العلاقات العاطفية التي أدخلها يسوع في العائلة البشرية تشكِّل دعوة جذرية للأخوة الشاملة. وهكذالايبقىأحدمبعداًعنالجماعةالجديدةالمجتمعةباسميسوع،لأنناكلنامدعوونلأننصبح أعضاءفيعائلةالله.فيسوعيُظهرلناكيفأنلطفاللهيرافقالناسبنعمته،يُحوِّلالقلبالقاسي برحمته (راجع حز 36/26)، ويوصله الى تحقيق الذات من خلال السر الفصحي. |7-253| الفصل الثاني: العائلة، في تعليم الكنيسة تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني 42- إنطلاقاً مما أخذته الكنيسة من المسيح، استطاعت أن تطوِّر على مَرِّ القرون تعليماً غنياً جداً حول الزواج والعائلة. من أهم تجليات هذا التعليم ما اقترحه المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستورالراعوي"فرحورجاء"،الذيخصَّصفصلاًكاملاًللتركيزعلىكرامةالزواجوالعائلة (راجع "فرح ورجاء"، 47-52). "إن جماعة الحب والحياة التي يتألف منها الثنائي قد تأسست وأُعطيتقوانينهاالخاصةمنقبلالخالق؛وهيمرتكزةعلىعهدالشريكينأيعلىموافقتهما الشخصيةوالنهائية،التيلاعودةعنها.وهكذاتولد،فيالمجتمع،مؤسسةمنالعملالإنساني، تُثَبِّتها الشريعة الإلهية، بها يتبادل الشريكان هبة الذات والإستقبال" (فرح ورجاء، 48). "فالحب الزوجي الحقيقي" (فرح ورجاء، 49) يقتضي هبة الذات من الطرفين، ويشتمل على البعد الجنسي والعاطفي المتطابق مع قصد الله (راجع فرح ورجاء، 48-49). وهكذا يبدو واضحاً أن الزواج والحب الذي ينعشه "قد نُظِّما طبيعياً للإنجاب وتربية الأولاد" (فرح ورجاء، 50). وهناك تشديد على تجذُّر الزوجين في الله: فالمسيح السيد "يأتي لملاقاة الزوجين المسيحيين في سرِّ الزواج" (فرح ورجاء، 48) ويبقى معهما (sacramentum permanens). يأخذ على عاتقه الحب البشري، يطهرهويقودهالىملئه،ويعطيالزوجينالقدرةعلىعيشهبقوةروحهالقدوس،غامراًحياتهما بالإيمان والرجاء والمحبة. فيصبح الزوجان وكأنهما مكرَّسان. ويساهمان بنعمة خاصة في بناء جسد المسيح السرِّي، ويؤلفان كنيسة بَيْتية (راجع نور الأمم، 11). وهكذا تتمكن الكنيسة من فهم سرها بملئه من خلال نظرتها الى العائلة البشرية التي تجسِّده بطريقة أصيلة. |2-257| بولس السادس 43- إن الطوباوي بولس السادس تعمَّق في العقيدة المتعلِّقة بالزواج والعائلة في سياق المجمع الفاتيكاني الثاني. وقد سلَّط الضوء، بشكل خاص، في رسالته البابوية "الحياة البشرية" على العلاقة الحميمة بين الحب الزوجي وإيلاد الحياة: "يتطلَّب الحب الزوجي من الشريكين الوعي لرسالتهما الأبوية المسؤولة التي يتم التشديد عليها اليوم، وعن حق، والتي يجب أن تكون مفهومة جيداً. (...) والممارسة المسؤولة للأبوة تتطلَّب اعتراف الزوجين بواجباتهما تجاه الله، تجاهأنفسهما،وتجاهالعائلةوالمجتمعفيتراتبيةصحيحةللقيم"(بولس السادس، الحياة البشرية، 10). وقد أبرز البابا بولس السادس في إرشاده الرسولي "Evangelii nuntiandi"، أهمية العلاقة بين العائلة والكنيسة: "في عمق الرسالة التبشيرية للعلمانيين لا يسعنا إلا التركيز على العمل التبشيري للعائلة. وقد استحقَّت في مختلف اللحظات التاريخية الإسم الرائع، "كنيسة بيتية"، المُعطى لها في المجمع الفاتيكاني الثاني. هذا يعني أن الأوجه المختلفة للكنيسة جمعاء يجب أن تتجسَّد في كل عائلة مسيحية، فتصبح، على مثال الكنيسة، الفُسحة التي يُنقل الإنجيل الى الآخرين من خلالها ليُشعَّ عليهم بأنواره (Evangelii nuntiandi, 71). |6-254| يوحنا بولس الثاني 44- لقد أولى القديس يوحنا بولس الثاني اهتماماً خاصاً للعائلة من خلال تعاليمه حول الحب البشري ولاهوت الجسد. وفي تلك المراجع قدَّم للكنيسة تحاليل غنية حول المعنى الزوجي-الإتحادي للجسد البشري ومخطط الله في الزواج والعائلة منذ بدء الخليقة. وفي ما يتعلَّق بشكل خاص بالمحبة الزوجية، فقد وصف الطريقة التي ينال فيها الشريكان عطية روح المسيح من خلال حبهما المتبادل، فيعيشان دعوتهما للقداسة. وفي رسالته للعائلات Grantissimam sane، وخاصة في إرشاده الرسولي Familiaris consortio، وصف البابا يوحنا بولس الثاني العائلة بأنها "طريق الكنيسة". وقدَّم رؤية شاملة حول دعوة الحب بين الرجل والمرأة، واقترح الخطوط الأساسية لرعوية العائلة ولوجودها في المجتمع. "في أحشاء الزواج والعائلة تُنسَج مجموعة العلاقات ما بين الأشخاص (interpersonnelles)- علاقة الزوجين، الأبوة - الأمومة، البنوَّة، الأخوَّة - كل تلك العلاقات التي تُدرج كل شخص في تكوين "العائلة البشرية" وفي "عائلة الله" التي هي الكنيسة" (Familiaris consortio, 15). |11-247| بنديكتوس السادس عشر 45- في رسالته الباباوية "الله محبة"، استعاد بنديكتوس السادس عشر موضوع حقيقة الحب بين الرجل والمرأة، الذي لا يتَّضح كلياً إلا على نور محبة المسيح المصلوب (راجع الله محبة، 2). وقد أكد أن "الزواج المبني على حب حصري ونهائي يصبح أيقونة لعلاقة الله بشعبه، والعكس صحيح: فالطريقة التي يحبنا فيها الله هي مقياس للحب البشري" (الله محبة، 11). وفي رسالته "المحبة في الحقيقة"، أبرز أهمية الحب العائلي كمبدأ للحياة في المجتمع، حيث نتعلم اختبار أهمية الخير العام. "إن مواصلة السعي لتقديم روعة العائلة والزواج للأجيال القادمة، وتطابق هاتين المؤسِّستين مع رغبات القلب العميقة ومع كرامة الكائن البشري، تصبح حاجة اجتماعية واقتصادية. من هذا المنطلق نجد أن سائر الدول مدعوَّة لإتِّباع سياسات تدعم محورية وسلامة العائلة، المبنيَّة على الزواج بين رجل وامرأة كخليَّة أولى حيويَّة للمجتمع، مع الأخذ بعين الإعتبار مشاكلها الإقتصادية والضريبية، واحترام طبيعتها العلائقية" (بنديكتوس السادس عشر، المحبة في الحقيقة، 44). |6-249| البابا فرنسيس 46- تطرَّقالبابافرنسيسالىالعلاقةبينالعائلةوالإيمان،وكتبفيرسالته"نورالإيمان":"إنالبيئة الأولى التي ينير فيها الإيمان حاضرة الإنسان هي العائلة. أفكِّر خاصة في الإتحاد الثابت بين الرجل والمرأة في الزواج. (...) إن الوعد بالحب الذي يدوم للأبد هو ممكن عندما نكتشف مخططاً أكبر من مشاريعنا الخاصة" (نور الإيمان، 52). وفي إرشاده الرسولي "فرح الإنجيل"، ذكَّر البابا فرنسيس بالطابع المحوري للعائلة وسط التحديات الثقافية المعاصرة: "إن العائلة تمرُّ بأزمة ثقافية عميقة، مثل كل الجماعات والروابط الإجتماعية. وفيما يخص العائلة تصبح سرعة عطب العلاقات خطيرة جداً لأنها تتعلَّق بالنواة الأساسية للمجتمع، حيث نتعلم أن نحيا معاً رغم الإختلاف، وننتمي لغيرنا، وحيث ينقل الأهل إيمانهم لأولادهم. وهناك منحى لاعتبار الزواج مجرد شكل من الإرضاء العاطفي، يمكن أن يتكوَّن بأية طريقة ويتغيَّر حسب ميل كل شخص. إلا أن مساهمة الزواج في المجتمع التي لا غنى عنها تتخطى مستوى أحاسيس الثنائي وحاجاته العابرة" (فرح الإنجيل، 66). وقد خصَّص البابا فرنسيس حلقة كاملة من التعليم المسيحي للمواضيع المتعلِّقة بالعائلة والتي تتعمَّق في تلك المسائل والإختبارات التي تعيشها العائلة وفي مراحل حياتها.|5-254| الفصل الثالث: العائلة في العقيدة المسيحية الزواج في نظام الخلق، والملء الأسراري. 47- إن نظام الفداء يُنير ويتمِّم نظام الخلق. لذا يمكننا فهم الزواج الطبيعي على ضوء تحققه أسرارياً: حينيكوننظرنامركَّزاًعلىالمسيح،عندهافقطيمكنناأننفهمعمقحقيقةالعلاقاتالبشرية. "في الحقيقة لا يتوضَّح سر الإنسان جيداً إلا في سر الكلمة المتجسِّد. (...) فالمسيح، آدم الجديد كشف لنا، في سر الآب ومحبته، ملء حقيقة الإنسان وقدسيَّة دعوته" (فرح ورجاء 22). ويبدو مناسباً أن نفهم، من خلال محورية المسيح، الخصائص الطبيعية للزواج والتي تشكِّل الخير للزوجين (Bonum conjugum) وتتضمن الإتحاد والإنفتاح على الحياة، والأمانة، واللاإنحلالية. فعلى ضوء العهد الجديد الذي يؤكد أن كل شيء خُلق بالمسيحوله(كول 1/16؛ تك1/1)،أرادالمجمعالفاتيكانيالثانيالتعبيرعنتقديرهالعميقللزواج الطبيعي وللنواحي الإيجابية الموجودة في باقي أشكال الزواج في تقاليد الأديان الأخرى(راجع نور الأمم، 16؛ Nostraaetate, 2) وفي مختلف الثقافات رغم محدوديتها وعدم كفايتها (راجع رسالة الفادي، 55(. وإن تمييز حضور بذور الكلمة (semina verbi) في الثقافات الأخرى (راجع Ad gentes, 11) يمكن أن يطبَّق على الزواج والعائلة. فبالإضافة الى الزواج الطبيعي، هناك العناصر الإيجابية الموجودة في أنواع الزيجات في تقاليد الأديان الأخرى. هذه الزيجات المبنية على العلاقة الصادقة والثابتة بين رجل وامرأة، نعتبرها متَّجهة نحو هذا السر. فالكنيسة التي توجِّه نظرها نحو الحكمة البشرية للشعوب تعتبر تلك العائلة خلية أساسية ضرورية ومثمرة في التعايش البشري. |11-246| لاإنحلالية الإتحاد الزوجي وخصوبته 48- إن الأمانة الثابتة لله في العهد، هي اساس لاإنحلالية الزواج. فالحب الكامل والعميق بين الزوجين لا يرتكز فقط على القدرات البشرية: فالله هو الذي يدعم هذا العهد بقوة روحه. واختيار الله لنا ينعكس بطريقة معينة، في اختيارنا للشريك: فكما أن الله يبقى أميناً لوعده لنا، حتى في فشلنا، هكذا أيضاً بالنسبة للحب والأمانة الزوجية المستمران في "السراء والضراء". فالزواج عطية ووعد من الله الذي يصغي الى صلوات كل من يستغيث به. إلا أن قساوة قلب الإنسان ومحدوديته وضعفه أمام التجربة تشكِّل كلها تحدٍ كبير للحياة المشتركة، مما يجعل شهادة الأزواج الذين يعيشون زواجهم بأمانة، تلقي الضوء على قيمة هذا الإتحاد الغير قابل للإنحلال، وتخلق الرغبة في التجديد الدائم لعهد الأمانة. فالديمومة تتطابق مع رغبة الإنسان في حب عميق، ثابت، ومتبادل وضعها الخالق في أعماق قلبه، وهي عطيةٌ منه لكل ثنائي: "ما جمعه الله لا يفرِّقه إنسان" (متى 19/6؛ راجع مر 10/9). فالرجل والمرأة يستقبلان هذه العطية ويحافظان عليها حتى يدوم حبهما للأبد. وأمام الذهنية السائدة في عالمنا اليوم والصعوبات الفعلية في الحفاظ على الإرتباطات الدائمة، نجد أن الكنيسة مدعوة لتقديم إنجيل العائلة والزواج المسيحي في متطلباته ونهج حياته. "والقديس بولس، عندما تحدَّث عن الحياة الجديدة في المسيح، أكَّد أن كل المسيحيين مدعوون لمحبة بعضهم البعض كما أَحبهم يسوع، أي أن "يخضع الواحد منهم للآخر" (أفسس 5/21)، وأن يكون كل واحد في خدمة الآخر. كما أدخل القديس بولس هنا التشابه بين ثنائية الرجل وزوجته وثنائية المسيح والكنيسة. لا شك في أن هذا التشبيه ناقص، لكننا نأخذ منه المعنى الروحي، المعنى الثوري الذي هو في غاية الأهمية والبساطة، وهو في متناول كل رجل وامرأة منفتحين على نعمة الله" (فرنسيس: المقابلة العامة في 6 أيار 2015). مرة أخرى إنه إعلان يزرع فينا الرجاء ! |6-253| خيور العائلة 49- الزواج هو "جماعة للحياة كلها، منظَّمة طبيعياً لخير الزوجين ولإنجاب الأولاد وتربيتهم" (CIC, can. 1055 - § 1). في الإستقبال المتبادل، يتعهد الزوجان بعطاء الذات التام، بالأمانة والإنفتاح على الحياة. فبالإيمان ونعمة المسيح، يقرَّان بعطايا الله ويتعهَّدان باسمه أمام الكنيسة. والله يبارك حب الزوجين ويؤكد ديمومة هذا الحب، مانحاً إياهما نعمته للعيش في الأمانة والأستقبال المتبادل والإنفتاح على الحياة. لنشكر الرب على نعمة الزواج، لأنه من خلال شركة الحب والحياة، يكتشف الزوجان السعادة ويختبران محبة الله الشخصية لهما، وشغفه وحنانه. فالرجل والمرأة هما، كما ذكَّرنا البابا فرنسيس، "صورة الله" بشكل فردي وثنائي. وإن الإختلاف بينهما "لا يُشير الى التناقض أو التبعية بل الى الشركة والإيلاد، دائماً على صورة الله ومثاله" (مقابلة عامة في 15 نيسان 2015). إن هدف الإتحاد في الزواج هو الدعوة الدائمة والمتجدِّدة لتعميق هذا الحب وتفعيله. فمن خلال اتحادهما، يختبر الزوجان روعة الأبوة والأمومة، ويتشاركان في مشاريعهما وأحزانهما، في رغباتهما وانشغالاتهما؛ إنهما يتعلمان الإهتمام المشترك كل واحد بالآخر، والمسامحة المتبادلة من الجهتين. ويحتفلان في هذا الحب بأوقات سعيدة ويسندان بعضهما في الصعوبات التي تعترض حياتهما. |5-253| 50- أن خصوبة الزوجين، في ملء معناها، هي روحية: فالزوجان هما علامات أسرارية حية، ومصدر حياة للجماعة المسيحية وللعالم. وعملية الخلق تُظهر العلاقة التي لا يمكن فصلها أبداً، بين الإتحاد والإنجاب. وقد أبرز ذلك البابا الطوباوي بولس السادس (راجع الحياة البشرية، 12)، وأكد أنهعليناأننفهمذلكإنطلاقاًمنمسؤوليةالأهلفيالسهرعلىأولادهمومنحهمتربيةمسيحية. فتلك هي ثمار الحب الزوجي الأكثر قيمة، لأنه في اللحظة التي يصبح فيها الطفل إنساناً، يتخطى الذين أعطوه الحياة: "أن يصبح الإنسان إبناً أو إبنة بحسب قصد الله، فذلك يعني أنه يحمل في ذاته ذاكرة ورجاء الحب الذي حققه بدوره عندما أعطى الحياة لكائن فريد جديد. وكل ولد بالنسبة لأهله هو فريد ومميز، هو مختلف وهو آخر" (البابا فرنسيس، مقابلة عامة في 11 شباط 2015). روعة الحب المجاني المتبادل، وفرح الحياة الوليدة، والإهتمام المليء بالحب من قبل كل الأفراد، الصغار والكبار: تلك هي بعض الثمار التي تعطي إختيار دعوة العائلة طابعها الفريد والمميز الذي لا غنى عنه. فالعلاقات العائلية تساهم بشكل قاطع في بناء متضامن وأخوي للمجتمع البشري، بحيث لا يمكننا إختزاله في مجرَّد مساكنة بين أبناء الأرض الواحدة أو الوطن الواحد. |6-252| حقيقة العائلة وجمالها 51- إن الكنيسة تنظر بفرح وارتياح عميق الى العائلات الأمينة لتعاليم الإنجيل؛ وهي شاكرة ومشجِّعة لها على الشهادة التي تقدِّمها. بِفضلها تكتسب روعة الزواج، القائم على اللاإنحلالية والأمانة، صدقيتها. ففي قلب العائلة ينضج أول إختبار كنسي للجماعة بين الأشخاص حيث ينعكس بالنعمة الإلهية سر حب الثالوث الأقدس: "هنا نتعلم الصبر والتحمُّل، وفرح العمل، والحب الأخوي، والمسامحة السخية والمتكررة، ونتعلَّم خصوصاً عبادة الله بالصلاة وتقدمة الحياة" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1657). إن إنجيل العائلة يُغذِّي تلك البذور التي ما زالت تنتظر النضوج، كما يهتم بالأشجار اليابسة التي لا ينبغي التخلي عنها (راجع لو 13/6-9). فالكنيسة التي هي معلِّمة واثقة وأم مبادرة، تعترف أنه لا يوجد للمعمَّدين أي رباط زوجي آخر غير الرباط الأسراري، وكل تهديم لهذا الأخير يكون معاكساً لمشيئة الله؛ كما أن الكنيسة واعية أيضاً لضعف العديد من أبنائها في ما يعانون من مصاعب على طريق الإيمان. "ونتيجة لذلك علينا أن نرافق، بصبر ورحمة، مراحل نمو الأشخاص الذين يبنون انفسهم يوماً بعد يوم، دون أن نقلِّل من قيمة المثال الإنجيلي. (...) فإن خطوة بسيطة، في محدوديتنا البشرية الكبيرة، يمكن أن تحسن في عيني الله أكثر من حياة سليمة ظاهرياً لمن أمضى حياته دون أن يعاني من صعوبات كبيرة. فتعزية الله ومحبته الخلاصية التي تعمل في أعماق كل إنسان، بطريقة خفية تفوق الإدراك، وأبعد من نقائصه وسقطاته، يجب أن تصل الى الجميع" (فرح الإنجيل، 44). ومن الضروري حماية تلك الحقيقة وذلك الجمال. وأمام الظروف الصعبة والعائلاتالمجروحة،عليناأننذكِّردائماًبمبدأعام:"حباً بالحقيقة،"علىالرعاةأنيعرفواجيداً أن عليهم التمييز العميق بين مختلف الأوضاع" (يوحنا بولس الثاني، Familiaris consortio, 84). فدرجة المسؤولية ليست نفسها في كل الحالات، نظراً لإمكانية وجود عوامل تحدُّ من القدرة على القرار. لذا علينا أن نعبِّر بوضوح عن العقيدة، ونتحاشى في الوقت نفسه الأحكام التي لا تأخذ بعين الإعتبار تعقيدات الأوضاع المختلفة. ومن الضروري أن نتنبَّه الى الطريقة التي يعيش ويتألم فيها الأشخاص. |11-252| الفصل الرابع: نحو الملء الكنسي للعائلة الرابط الحميم بين الكنيسة والعائلة. 52- إن البركة والمسؤولية المتمثِّلتين في العائلة الجديدة المختومة بالسر الكنسي، تتضمنان الإستعداد لدعم وإعلاء شأن العهد الأساسي بين الرجل والمرأة، في قلب الجماعة المسيحية. وهذا الإستعداد، في الإطار الإجتماعي، لإنجاب الأولاد ولحماية الأكثر ضعفاً في الحياة المشتركة، يتضمن مسؤولية يجب دعمها والإعتراف بها وتقديرها. وبفعل سر الزواج، تصبح العائلة بوجه كامل خيراً للكنيسة. ومن هذا المنظار، يمكن القول بأنها لعطية ثمينة لكنيسة اليوم أن تعي الخير المتبادل بين العائلة والكنيسة: فالكنيسة هي خير للعائلة والعائلة هي خير للكنيسة. الحفاظ على عطيَّة الرب الإسرارية لا تخص العائلة وحسب بل الجماعة المسيحية كلها. أما عند ظهور صعوبة في الحفاظ على الوحدة الزوجية، أياً تكن حدَّة هذه الصعوبة، يصبح من الضروري العمل على تمييز حقيقة ما قام به كل واحد من الشريكين والتقصير الناجم عنه، وذلك من قبل الزوجين بمساعدة الرعاة والجماعة. |5-252| نعمة التوبة وإتمام الزواج 53- تبقى الكنيسة قريبة من الزوجين المهدَّدين بخطر الإنفصال. وفي حال انتهاء العلاقة بطريقة مؤلمة، تشعر الكنيسة بواجب مرافقة هذه الأوقات الصعبة كي تتحاشى ولادة خلافات كارثية بين الشريكين. ومن الضروري توجيه اهتمام خاص بالأولاد، وهم أول المتأثرين بانفصال الأهل، للتخفيف من آلامهم قدر المستطاع. "عندما يُسيء الأب والأم لبعضهما، تتعذب نفس الطفل بشكل رهيب".(البابا فرنسيس، مقابلة عامة في 24 حزيران 2015). والإهتمام الرعوي للكنيسة تجاه المؤمنين الذين يمارسون المساكنة او الذين تزوجوا زواجاً مدنياً او المطلَّقين والمرتبطين من جديد، هواهتمام نابع من نظرة المسيح الذي ينير كل انسان (راجع يو 1/9؛ فرح ورجاء 22). فالكنيسة تحنو بحب على كل المشاركين في حياتها بشكل ناقص، انطلاقاً من نهج الله التربوي، تطلب معهم نعمة التوبة، تشجعهم على فعل الخير وعلى الإعتناء ببعضهما البعض بمحبة والبقاء في خدمة الجماعة التي يعيشون ويعملون فيها. ومن المستحسن تنظيم مسارات تمييز في الأبرشيات لإشراك هؤلاء الأشخاص ومساعدتهم وتشجيعهم على اتخاذ قرارات ناضجة واعية ومتماسكة. ومن الضروري أيضاً إعلام كل زوجين بامكانية اللجوء الى آلية إعلان بطلان الزواج. |15-244| 54- عندما يصل الإتحاد بين الشريكين الى استقرار فعلي عبر رباط علني، وعندما يتميَّز هذا الإتحاد بعاطفة عميقة وبمسؤولية تجاه الأولاد وقدرة على مواجهة الصعوبات، يصبح من المناسب مرافقة الثنائي نحو سر الزواج، اذا كان ذلك ممكناً. ويختلف الوضع تماماً في حال كانت الحياة المشتركة غير قائمة على احتمال الإرتباط بزواج مستقبلي، ولا توجد اية ارادة لإقامة علاقة مؤسَّساتية. فواقع الزيجات المدنية بين رجل وامرأة وما يعرف "بالزيجات التقليدية"، أضف الى ذلك المساكنة، بما لها من وضع مختلف يجب أخذه جيداً بعين الإعتبار، هو واقع يشكِّل ظاهرة جديدة في العديد من البلدان. كما يقتضي وضع المؤمنين المتزوجين الذين اقاموا علاقة اتحاد جديدة اهتماماً رعوياً خاصاً: "خلال العقود الأخيرة، (...) تنامى كثيرا الوعي لضرورة الإستقبال الأخوي المتنبِّه والنابع من المحبة والحقيقة، تجاه المعمّدين الذين اقاموا حياة مشتركة جديدة بعد فشل زواجهم الأسراري؛ إن هؤلاء الأشخاص لا يقع عليهم الحُرم الكنسي (البابا فرنسيس، مقابلة عامة، 5 آب 2015). |21-236| الرحمة في قلب الوحي 55- تنطلق الكنيسة من الأوضاع الواقعية الملموسة لعائلات عالمنا المعاصر التي تحتاج كلها الى رحمة، بدءً بتلك التي هي اكثر معاناة. وبقلب يسوع الرحوم، ترافق الكنيسة ابناءها الأكثر ضعفاً والمجروحين من حب ضائع، كي تعيد إليهم الثقة والرجاء، فتكون منارة تشعُّ وسط الناسلتُنيرالذينضلُّواطريقهمالىاليابسةوغرقوافيقلبالعواصف.فالرحمةهي"محوروحي يسوع" (البابا فرنسيس، Misericordiae vultus, 25). فيها تشعُّ سيادة الله الذي يبقى من خلالها أمينا لذاتهولمحبتهولعهده(راجع1يو4/8)."ففيرحمةاللهتتجلىقدرتهالفائقة"(القديستوماالأكويني، Summa theologiae, II-II, q. 30, art. 4؛ cf Missel romain, 26° dim du temps ordinaire, prière d'ouverture).وان اعلان الحقيقة بمحبة هو بحد ذاته، فعل رحمة. فالبابا فرنسيس يؤكد في مرسومه Misericordiae vultus: "الرحمة ليست مناقضة للعدالة لكنها تجسِّد سلوك الله تجاه الخاطىء". ويتابع البابا: "لا يرفض الله العدل، انما يدرجه في عمل خلاصه ويتخطاه بحدث أكبر يجعلنا نختبر الحب الذي هو اساس كل عدالة حقيقية(Misericordiae vultus, 21) . يسوع هو صورة رحمة الله الآب. هكذا أحبَّ الله العالم حتى انه بذل ابنه الوحيد ليخلِّص به العالم"(يو 3/16-17). |14-243| القسم الثالث: رسالة العائلة 56- منذ بدء التاريخ، أفاض الله حبَّه على أبنائه (راجع نور الأمم، 2)، لكي ينالوا ملء الحياة في يسوع المسيح (راجع يوحنا 10/10). ومن خلال أسرار التنشئة المسيحية، يدعو الله العائلات الى الدخول في هذه الحياة، وإعلانها ونقلها الى الآخرين (راجع نور الأمم، 41). ويشدٍّد البابا فرنسيس بقوَّة على هذه النقطة، ويذكِّرنا بأن رسالة العائلة تتَّجه أكثر فأكثر نحو الآخرين، وذلك في خدمة الإخوة والأخوات. إنها رسالة الكنيسة التي تُدعى كلُّ عائلة الى المشاركة فيها بطريقة متميِّزة وفريدة. "كل فرد من شعب الله، قد صار، بفعل معموديته، تلميذاً مرسلاً" (فرح الإنجيل، 120). يمكننا أن نلحظ في العالم أجمع، ما في واقع العائلة من سعادة وفرح كبيرين، وما فيه أيضاً من ألم وهمٍّ أكبر. نريد أن ننظر الى هذا الواقع بعيني المسيح، وهو الذي قد عايشه، عندما جال بين نساء ورجال عصره؛ أن نكون متفهِّمين ومتواضعين. رغبتنا في هذا، هو مرافقة العائلات وكل عائلة، كي تكتشف أفضل السبل لتخطِّي الصعوبات المحتملة في مسيرتها. ويبقى الإنجيل، حتى اليوم، علامة خلاف وعدم توافق بنظر العالم. ولا تنسى الكنيسة أبداً، أن سرَّ الفصح هو محوريٌّ في البشرى السَّارة التي تعلنها. لذا تريد الكنيسة دعم العائلات، لمساعدتها على تمييز صليبها وقبوله، فتتمكن من حمله مع المسيح في طريق يؤدي الى فرح القيامة. هذا الأمر، يتطلب "تحولاً وتغييراً في العمل الرعوي والرسولي، ولا نستطيع ترك الأشياء على حالها" (فرح الإنجيل، 25). هذا التحوُّل يطال بعمق طريقة العيش والتعبير. ومن الضروري تبنِّي لغة تشرح الأمور وتعطيها كل معناها. هذا الإعلان يجب أن يكشف لنا بأن إنجيل العائلة هو الجواب على الانتظارات العميقة للشخص الإنساني، في كرامته وفي ملء تحقيقه لذاته في التبادلية والشركة والخصوبة. ليس المطلوب فقط تقديم قواعد للعيش، بل أيضاً إعلان النعمة التي تسمح بعيش الخيرات العائلية. وبهدف تواصل الإيمان، من الواجب، اليوم أكثر من الماضي، إيجاد لغة قادرة أن تطال كل البشر، لاسيما الشباب منهم، لكي يكتشفوا جمال الحب العائلي ويفهموا معنى بعض التعابير، كالعطاء والحب الزوجي والأمانة والخصوبة والإنجاب. فالحاجة الى لغة جديدة أكثر ملاءمة تظهر أولاً في مرحلة مساعدة الأولاد والمراهقين على فهم الحياة الجنسية. إن الكثير من الأهل والأشخاص المعنيين بالعمل الرعوي، يجدون صعوبة كبرى في إيجاد لغة ملائمة، تُقارب الموضوع باحترام وتجمع بين الطبيعة البيولوجية للجنس والتكامل بين الزوجين في غنى متبادل، كما بين الصداقة والحب والعطاء المتبادل بين الرجل والمرأة. |10-248| الفصل الأول: تنشئة العائلة التحضير للزواج 57- لا يمكن تقليص مفهوم الزواج المسيحي واختزاله بتقليد ثقافي أو اتفاق قانوني معين: الزواج المسيحي هو دعوة حقيقية من الله تستوجب تمييزاً نبيهاً وصلاة متواصلة ووعياً ونضجاً ملائماً لذا تصبح دورات التنشئة على الايمان ضرورية، تنشئة تواكب الشخص كما الزوجين وتعرض مقومات الايمان وخبرة حياة الجماعة الكنسيَّة. ولتكون هذه المساعدة فعالة، يجب أيضاً تحسين التعليم المسيحي الخاص بالزواج – والذي غالباً ما يفتقر للمضمون – لأن هذا التعليم هو جزء لا يتجزأ من الرعوية العادية. وعلى هذه الرعوية لأزواج المستقبل أن تندرج في التزام اكبر وأوسع وهو التزام الجماعة المسيحية بعرض هذا التعليم بطريقة مقنعة تتكيف مع محتوى الإنجيل وما يتضمنه عن الكرامة الإنسانية وحرية الشخص واحترام حقوقه. إن المراحل الثلاث المذكورة في رسالة Familiaris consortio يجب أن تكون موجودة وهي (راجع 66): التحضير التمهيدي، ويقوم على تناقل الايمان والمبادئ المسيحية في كنف عائلته المسيحية؛ التحضير الاقرب، المتمثل بدورات التنشئة المسيحية والخبرات المعاشة في قلب الجماعة الكنسيَّة؛ واخيراً التحضير المباشر للزواج ويكون جزءاً من مسار اكبر وأشمل عن دعوة الزواج ومفهومه.|2-257| 58- إن التغيير الثقافي الذي نشهده اليوم يُبرز غالباً أمثلة عن الزواج بعيدة كل البعد عن النظرة المسيحية لهذا السرِّ ولمفهوم العائلة، إذ تُفصل الحياة الجنسية، في كثير من الأحيان، عن مشروع حب حقيقي. وفي بعض البلدان، تفرض السلطات المدنية مشاريع تنشئة تعارض في مضمونها النظرة الإنسانية المسيحية: إزاء هذه التوجُّهات، تؤكد الكنيسة بقوة حقَّها في أن تعلِّم عقيدتها الخاصة بحريَّة، وتشدِّد على حق المربين بالإعتراض الضميري. ومن جهة أخرى، فالعائلة، وإن كانت المكان الاول للتربية (راجع فرح الإنجيل، 3)، فهي لا يمكن أن تكون المكان الاوحد للتنشئة الجنسية. لذا يجدر تنظيم مسارات جدِّية خاصة للأزواج ولغير المتزوجين، مع إيلاء اهتمام خاص لمرحلة المراهقة، للمساعدة على اكتشاف جمال الجنس في إطار الحب. وفي هذا السياق، تعلن المسيحية أن الله خلق الإنسان رجلاً وامرأة وباركهما ليكونا جسداً واحداً، وليعطيا الحياة (راجع تكوين 1/27-28؛ 2/24). إن الإختلاف بين الرجل والمرأة، في كرامتهما المتساوية، هو العلامة بأن كل ما خلقه الله هو حسن. وبحسب المفهوم المسيحي للإنسان، يمكن التمييز بين الروح والجسد، كما بين الجنس البيولوجي (sex) والدور الاجتماعي للجسد (gender)، ولكن لا يمكن الفصل بينهما. لذا، يبدو ضرورياً تطوير مواضيع هذه الدورات الخاصة بالزواج لكي تتحول الى مسارات تربوية على الايمان وعلى الحب، تندرج في مسار التنشئة المسيحية ككل. ومن هذا المنظار يجب التذكير أيضاً بأهمية الفضائل ومن بينها "العفة" وهي شرط أساسي وهام لكي ينمو الحب ويكبر بين شخصين. التنشئة يجب ان تكون طريقاً يسمح بتمييز الدعوة الخاصة بكل شخص ودعوة الزوجين، مع الحرص على تحسين التعاون بين مختلف القطاعات الرعوية. وهذه الدورات التحضيرية للزواج يجب ان يقوم بها أزواج مؤهلون لمرافقة أزواج المستقبل، قبل الزواج وخلال السنوات الأولى من حياتهم الزوجية، بما يظهِّر دور الخدمة الواجب على الزوجين. وهذا الاهتمام والتقدير الرعوي للعلاقات الشخصية سيعزِّز شيئاً فشيئاً انفتاح النفوس والقلوب على ملء مشروع الله وتدبيره. |14-247| الاحتفال بالزواج 59- ليتورجية الزواج هي حدث فريد يُعاش في جوٍّ عائلي واجتماعي بطريقة احتفالية. وأول آية قام بها يسوع كانت في احتفال عرس في قانا، حيث خمر يسوع الطيبة تغمر بالفرح ولادة عائلة جديدة، هذا الخمر الجديد للعهد الذي يقطعه المسيح مع كل رجل وامرأة في كل زمان ومكان. فالتحضير للزواج يشغل العروسين طويلاً وهو وقت ثمين بالنسبة لهما، كما لعائلتيهما ولأصدقائهما. لذا، يجب ان نعتني ببعده الروحي والكنسي. الاحتفال بالزواج هو مناسبة لدعوة جماعية للاحتفال بسرَّي التوبة والافخارستيا. والجماعة المسيحية، من خلال مشاركتها القلبية السعيدة بهذا السر، تستقبل في أحضانها هذه العائلة الجديدة ككنيسة بيتية، كي تجعلها تشعر بالإنتماء الى العائلة الكنسيَّة الكبيرة. يجب ان يترافق الاحتفال بالزواج مع تعليم مسيحي أسراري يسمح للزوجين أن يعيا أن عهدهما المقطوع يتم "في الرب". وغالباً ما تتسنى للمحتفل بالزواج فرصة التوجُّه الى جماعة فيها أناس قلَّما يشاركون في الحياة الكنسيَّة أو ينتمون الى طوائف مسيحية أو جماعات دينية أخرى. وهذه فرصة لإعلان إنجيل المسيح الذي قد يدفع هذه العائلات الحاضرة الى إعادة اكتشاف الإيمان والحبّ النابعين من لدن الله. |3-258| السنوات الأولى للزواج 60- تشكِّل السنوات الأولى للزواج فترةً حيوية وحساسة في حياة الزوجين، يكبر من خلالها وعي الزوجيين لدعوتهما ولرسالتهما. من هنا ضرورة المرافقة الرعوية بعد الاحتفال بالزواج. والرعية هي المكان الذي يتواجد فيه أزواج أكثر خبرة قد يضعون أنفسهم في خدمة الأزواج الجدد، وهذا بالطبع بمساعدة الجمعيات والحركات الرسولية والجماعات الرعوية. يجدر تشجيع الأزواج على تبنِّي موقف مبدئي منفتح على عطية الحياة الكبرى المتمثلة بالأولاد. ويجب التشديد على أهمية الروحانية العائلية، في الصلاة والمشاركة في قداس الأحد، وبدعوة الأزواج الى اللقاء بطريقة دورية تساعدهم على تنمية حياتهم الروحية وتَعاضدهم في مواجهة ظروف الحياة المعيشية. إن اللقاء الشخصي مع المسيح من خلال قراءة كلمته وتأملها مع الجماعة أو في البيت، بالأخص القراءة الربية، يشكل مصدر إلهام للحياة اليومية. وتنظيم الإحتفالات الليتورجية والصلوات والقداسات للعائلات، بخاصة في ذكرى الزواج، يغذي الحياة الروحية والشهادة الرسولية للعائلة. ونلاحظ غالباً، في السنوات الأولى من الزواج، بعضاً من الانطواء لدى الأزواج، ينتج عنه انفصال وبعد عن الجماعة. فإن تدعيم شبكة العلاقات بين الأزواج وخلق روابط قوية بينهم لأمر ضروري لتطوير الحياة المسيحية في العائلة. إن الجمعيات والحركات الرسولية الكنسية تسمح بهذه اللقاءات وتقدم مجالاً للنمو والتنشئة. على الكنيسة المحلِّية بكل مقوماتها المذكورة أن تتولى تنسيق رعوية العائلات الجديدة. إن عدم إرضاء رغبة الإنجاب في المراحل الاولى من الحياة الزوجية، يولِّد نوعاً خاصاً من الاحباط. وهذا الشعور غالباً ما يؤدي الى مشاكل كبيرة وخلافات قد تُفْضي سريعاً الى الانفصال، مما يجعل حضور الجماعة، من خلال الدعم المحب، الى جانب الأزواج الجدد، في غاية الأهمية. |1-259| تنشئة الكهنة والعاملين في الشأن الرعوي 61- من الضروري أن تتجدد الرعوية على ضوء إنجيل العائلة من جهة وتعليم الكنيسة من جهة أخرى. مما يقتضي إعداد تنشئة أكثر ملاءمة للكهنة والشمامسة ورجال الدين والراهبات ومعلمي التعليم المسيحي ولكل الناشطين في العمل الرعوي، أي كل المعنيين بدمج العائلات في الجماعة المسيحية، بالأخص في سياق التنشئة على الحياة المسيحية والأسرارية. ويُطلب من الإكليريكيات، بشكل خاص،إعداد كهنة المستقبل في تنشئتهم الإنسانية والروحية والفكرية والرعوية لكي يصبحوا رسلاً للعائلة. وفي تنشئة الكهنة على خدمتهم، يجب عدم إهمال نموِّهم العاطفي والنفسي، وذلك بواسطة مسارات متخصصة. وتسعى هذه التنشئة الموجهة للعاملين في الرعوية الى تمكينهم من إدراج دورات التحضير للزواج في ديناميكية الحياة الكنسيَّة ككل. كما يجب أن يتمكن طلاب الكهنوت، خلال فترة تنشئتهم، من العيش مع عائلاتهم في فترات معيَّنة وأن يكونوا مرافَقين لكي يكتسبوا خبرة الرعوية العائلية ويتعرفوا أكثر إلى الأوضاع الحالية للعائلة. إن وجود العلمانيين والعائلات، وبالأخص وجود العنصر النسائي في التحضير للكهنوت، يعزِّز تقدير التنوع والتكامل بين مختلف الدعوات في الكنيسة. والالتزام الخاص بهذه الخدمة الثمينة بإمكانه أن يكتسب حيوية كبيرة وطابعاً واقعياً في الربط بطريقة دائمة ومتجددة بين شكلي الحب: الحب الزوجي، الذي يُفضي الى ولادة العائلة المسيحية، المؤسَّسة على الحب الحر والمختار، وحب الحياة المكرَّسة، صورة شركة الملكوت، الذي ينطلق من الإستقبال غير المشروط للآخر، كعطية من الله. في شركة الدعوات هذه، يتم تبادل خصب للمواهب، يُحيي ويُغني الجماعة الكنسيَّة (راجع أعمال 18/2). ويمكن أن تُعتبر الإدارة الروحية للعائلة كإحدى الخدمات في الرعايا. لذا نطلب تعميق التعاون في هذا المجال بين الخدمة الأسقفية للعائلة والخدمات الرعوية الأخرى. ومن المحبَّذ في التنشئة الدائمة للإكليروس، أن يستمرَّ الإهتمام، وبوسائل مناسبة، بنمو البعد العاطفي والنفسي، الذي سيكون ضرورياً للمرافقة الرعوية للعائلات، كذلك من منظور الأوضاع الأكثر إلحاحاً والناتجة عن عنف منزلي أو تعدٍ جنسي. |7-254| الفصل الثاني: العائلة، الإنجاب والتربية نقل الحياة 62- إن وجود عائلات كبيرة في الكنيسة هي نعمة للجماعة المسيحية كما للمجتمع، لأن الانفتاح على الحياة هو من متطلبات الحب الزوجي الجوهرية. وفي هذا الصدد، تعبِّر الكنيسة عن امتنانها العميق للعائلات التي تحتضن وتربِّي أولادها وتحيطهم بالحنان ناقلةً إليهم الإيمان، خصوصاً للضعفاء منهم والمصابين بإعاقة. فهؤلاء الأولاد الذين ولدوا ولهم احتياجات خاصة يستقطبون حب المسيح ويطلبون الحماية من الكنيسة. وفي هذا بركة كبيرة لها. تنتشر اليوم ذهنية تحصر فعل إعطاء الحياة العظيم بالحاجة الى إرضاء رغبة فردية أو زوجية. وتضغط العوامل الاقتصادية والثقافية والتربوية في بعض الأحيان بشكل حاسم، يساهم في انخفاض في نسبة الولادات ويضعف النسيج الاجتماعي كما يفسد العلاقات بين الأجيال ويشوِّش النظرة إلى المستقبل. وفي هذا المجال أيضاً، يجب الانطلاق من الإصغاء الى الأشخاص والاعتراف بجمال وحقيقة الانفتاح غير المشروط على الحياة وهو ما يحتاجه الحب الإنساني لكي يعاش في ملئه. نرى هنا ضرورة أن تُنشر دائماً وأكثر وثائق السلطة التعليمية الكنسيَّة التي تنشر وتعرِّز ثقافة الحياة. وعلى رعوية العائلة أن تشرك أكثر المسيحيين الكاثوليك من أصحاب الاختصاص في المجال البيولوجي الطبي، في دورات التحضير للزواج ومرافقة االأزواج. |0-259| المسؤولية الانجابية 63- الحب الزوجي بين الرجل والمرأة وإعطاء الحياة قد جُعلا واحدهما للآخر، بحسب نظام الخلق (راجع تك 1/27-28). وهكذا أشرك الخالق الرجل والمرأة في عمل خلقه، جاعلاً منهما في الوقت نفسه أدوات لحبِّه، موكلاً إليهما مسؤولية مستقبل البشرية من خلال نقل الحياة الإنسانية. والزوجان مدعوان بدورهما الى الإنفتاح على الحياة وذلك بتبني "الرأي المستقيم": يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار في الوقت نفسه ما هو خير لهم ولأولادهم، من وُلد منهم ومن لم يولد بعد، وأن يُميزوا أيضاً ظروف وضعهم المادية والروحية، والأخذ بالإعتبار ما هو حسن للجماعة العائلية ولمتطلبات وحاجات المجتمع الزمني والكنيسة نفسها (فرح ورجاء، 50؛ راجع بهاء الحقيقة، 54-66). وبحسب الطابع الشخصي والمتكامل بشرياً للحب الزوجي، فإن الطريق الصحيح من أجل تنظيم الولادات في العائلة يكمن في الحوار والتوافق بين الزوجين وفي احترام وتيرة الشريك وكرامته. وفي هذا الصدد، يجب أن يعاد اكتشاف غنى الرسالة البابوية،الحياةالإنسانية(راجع10-14)والإرشادالرسوليFamilaris consortio(راجع14؛28–35)، لإعادة إحياء الاستعداد للإنجاب، في مواجهة ذهنية معادية للحياة، في كثير من الأحيان. كما يجب استمرار تشجيع الأزواج الشباب على إعطاء الحياة، مما يعزِّز الانفتاح على الحياة في العائلة، في الكنيسة وفي المجتمع. وبإمكان الكنيسة، من خلال مؤسَّساتها المتعددة للأطفال، أن تساهم في خلق مجتمع وجماعة إيمان أكثر ملاءمة للأولاد، إذ تزداد الشجاعة في إعطاء الحياة عندما تتوفَّر بيئة مناسبة للصغار، تقدِّم العون والمرافقة في مجال تربية الأولاد (في إطار تعاون بين الرعايا والأهل والعائلات). إن الإختيار المسؤول للأبوة والأمومة يفترض تنشئة الضمير، لأنه "مركز الإنسان الحميم والمَقْدِس حيث يلتقي الإنسان وحده مع الله ويسمع صوته" (فرح ورجاء، 16). وكلما سعى الزوجان إلى سماع وصايا الله في ضميرهما (راجع روم 2/15) وطلبا المرافقة الروحية، كلما جاء قرارهما موضوعياً ومتحرراً من تأثيرات محيطهما وسلوكياته. ومحبةً بكرامة الضمير، تشجب الكنيسة كل ما تمارسه الدول الكبرى بالإكراه من تدخلات وضغوطات لصالح منع الحمل والتعقيم أو الإجهاض. ويجب تشجيع الأزواج على اعتماد إلى الطرق المستندة الى وتيرة النظام الطبيعي للخصوبة، والإضاءة على مدى احترام هذه الطرق لجسد الزوجين، إذ تعزِّز بينهما الحنان والعاطفة وتنمِّي على الحرية الحقيقية. كما يجب التركيز دوماً على أن الأولاد هم عطيَّة من الله وفرح كبير للأهل والكنيسة، فمن خلالهم يجدد الله العالم. |21-237| قيمة الحياة في كل مراحلها 64- الحياة هي هبة من الله وسرٌّ يتخطانا. لذا لا يجوز بأي شكل من الأشكال، إلغاء بداياتها ولا نهايتها، بل ينبغي على العكس، أن نولي اهتماماً خاصاً بهاتين المرحلتين. اليوم، "يُعتبر الشخص الإنساني بذاته سلعة استهلاكية يمكن استعمالها ومن ثمَّ رميها. لقد اطلقنا ثقافة "النفاية" لا بل عزَّزناها" (فرح الإنجيل، 53). وفي هذا الشأن، يعود إلى العائلة، مدعومة من المجتمع بأسره، أن تستقبل الحياة الوليدة وأن تعتني بمراحلها الأخيرة. وتجاه فاجعة الإجهاض، تؤكد الكنيسة قبل كل شيء على قدسيَّة الحياة البشرية وحُرْمَتها وتَنْبَري عملياً للدفاع عنها. وبواسطة مؤسَّساتها، تعمل على تأمين النصح للسيدات الحوامل ودعم الفتيات الحوامل دون زواج والإهتمام بالأطفال وتفَهُّم كل من عانوا وتألموا بسبب الإجهاض. وتذكِّر الكنيسة العاملين في البنى الصحية بواجبهم الأخلاقي بالإعتراض الضميري. وبنفس الطريقة، تؤكِّد الكنيسة على الحق بميتة طبيعية دون اجتهادات طبية أو قتل رحيم وهي أيضاً تعتني بالمسنين وتحمي المصابين بإعاقة وتدعم المرضى في مراحل حياتهم الأخيرة، تريح المنازعين وترفض بشدة حكم الإعدام (تعليم الكنيسة الكاثوليكي 2258). |11-247| تبنِّي وحضانة 65- إن تبنِّي الأولاد، أيتاماً كانوا أم متروكين، واستقبالهم في العائلة كأولاد حقيقيين يجسِّد من منظور الإيمان رسالة العائلة الحقة، (Apostolicam actuositatem, 11)التي تذكِّر بها السلطة التعليمية مراراً (cf Familiaris consortio, 41؛ إنجيل الحياة، 93). إن خيار التبني واحتضان طفل يمثِّل نوعاً خاصاً من الخصوبة في الإختبار الزوجي، يتخطى الحالات التي يعاني فيها الزوجان من ألم العقم وتأثيراته. خيارٌ كهذا هو علامة بليغة على الانفتاح على الخلق وشهادة الإيمان وتمام الحب. إن التبني يعيد كرامة متبادلة لرابط كان قد انقطع بين أزواج بلا أولاد وأولاد بلا أهل. وإن كل المبادرات التي تهدف الى تسهيل معاملات التبني تلقى دعمنا وتشجيعنا، ويجب على الحكومات أن تمنع الإتجار بالأولاد بين الدول والقارَّات من خلال إجراءات قانونية ومراقبة دولية. إن استمرارية العلاقات الأبوية والتربوية لها أساس ضروري، ألا وهو الاختلاف الجنسي بين الرجل والمرأة والإنجاب. وأمام المواقف التي يُنظر فيها الى الطفل كحق مشروع، يجب الحصول عليه بأي ثمن بهدف الكمال الشخصي، يمكن للتبني والحضانة، إذا فُهما بشكلهما الصحيح، أن يكوِّنا بُعداً مهماً للأبوة والبنوة، إذ يساعدان بالفعل على الإدراك بأن الأولاد، سواء كانوا طبيعيين أم متبنين أم في حكم الحضانة، هم كائنات قائمة بذاتها، ينبغي استقبالها ومحبتها والإعتناء بها، وليس فقط إنجابها. إن قرار التبني أو الحضانة يجب أن يأخذ أولاً بعين الاعتبار مصلحة الأولاد العليا. وقد ذكَّر بذلك البابا فرنسيس: "إن للأولاد الحق في أن يكبروا في عائلة مع أب وأمّ" (لقاء مع المشاركين في المؤتمر العالمي حول تكامل الرجل والمرأة الذي نظمته لجنة عقيدة الإيمان، في 17 تشرين الثاني 2014). وتعود الكنيسة لتؤكد أيضاً أنه عندما يكون ذلك ممكناً، من حق الأولاد أن يكبروا في عائلة المنشأ مع كل الدعم المطلوب لذلك. |7-252| تربية الأولاد 66- إن أحد التحديات الكبرى التي تواجهها العائلات في أيامنا، هو حتماً موضوع التربية، لأن ذلك يتطلب من العائلة التزاماً واهتماماً قوياً، مهمة باتت معقَّدة بسبب الواقع الثقافي الحالي وبسبب التأثير الكبير لوسائل الإعلام. يجب الأخذ بعين الاعتبار كل متطلبات وانتظارات العائلات التي باستطاعتها أن تكون في الحياة اليومية مكاناً ملائماً للنمو، حيث يتواصل الإيمان والروحانية والفضائل التي تعطي معنى للوجود. إنّ عائلة المنشأ غالباً ما تشكل أرضاً للدعوات الكهنوتية وللحياة المكرَّسة. لذلك نشجع الأهل أن يطلبوا من الرب في صلاتهم موهبة الكهنوت السامية لبعض أولادهم. أما في ما يتعلق بالتربية، فيجب حماية حق الأهل في أن يختاروا بحرية الطريقة التي يريدون بواسطتها تربية أولادهم، وذلك بحسب قناعاتهم وبالشروط الممكنة واللائقة. كما يجب المساعدة على عيش الحنان والعاطفة في العلاقات الزوجية أيضاً، كطريق يسمح بالنضوج، في قبول أكثر عمقاً للشريك وفي عطاء أكثر اكتمالاً. ونذكِّر في هذا الخصوص بضرورة توفير دورات تنشئة تغذي الحياة الزوجية، وبأهمية وجود العلمانيين في مرافقة الزوجين من خلال شهادة حية. إن مثال الحب المخلص والعميق يشكِّل مساعدة كبيرة، لأنه مبنيٌّ على الحنان والاحترام والنمو. وهو بانفتاحه الفعلي على إيلاد الحياة، يشكِّل اختباراً لسرٍّ فائق. |0-258| 67- في كل الثقافات، يحتفظ البالغون في العائلة بدورهم التربوي الذي لا ينافسهم عليه أحد. ولكن، وفي أطر عديدة، نلاحظ أن هذا الدور التربوي للأهل بدأ يضعف شيئاً فشيئاً، وذلك بسبب الوجود الطاغي لوسائل الإعلام في قلب العائلة، والميل إلى إيلاء مهمة التربية لأشخاص آخرين غير الأهل. ومن جهة أخرى، فإن وسائل التواصل (وبالأخص الاجتماعية منها) تقرِّب بين أفراد العائلة بالرغم من بعد المسافات. إن استعمال البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي يسمح ببقاء أفراد العائلة متَّحدين في الزمن. والأهم، ان هذه الوسائل يمكن أن تشكِّل فرصة لأنجلة الشبيبة. على الكنيسة أن تشجع وتدعم العائلات التي تعمل وتساهم بطريقة واعية ومسؤولة في البرامج التربوية والمدرسية التي تخص أولادها. وقد تَوافق الجميع، في هذا المجال، على التأكيد بأن العائلة هي المدرسة الأولى وأن الجماعة المسيحية تريد أن تدعم وتسهم في رسالة التنشئة هذه، التي لا بديل عنها. ومن الضروري إيجاد أمكنة وأوقات للتلاقي بين العائلات للتشجيع على تنشئة الأهل وتبادل الخبرات العائلية. ومن المهم أن يكون للأهل دورٌ فاعل في التحضير والإعداد لأسرار التنشئة، فهم المربُّون الأولون لأولادهم وهم أول من يشهد على إيمانهم. |0-259| 68- تلعب المدارس الكاثوليكية دوراً حيوياً لمساعدة الأهل في واجب تربية أولادهم. فالتربية الكاثوليكية تعزِّز دور العائلة: هي تؤمِّن تحضيراً جيداً، تربِّي على القيم والفضائل وتؤمِّن تعليماً يحترم تعاليم الكنيسة. فيجب أن تُدعَم المدارس الكاثوليكية في رسالتها لمساعدة التلاميذ على النمو كأشخاص ناضجين وقادرين على النظر الى العالم بعيني يسوع المُحِبة وعلى فهم الحياة كدعوة الى حب الله وخدمته. بذلك تتجلَّى خدمة المدارس الكاثوليكية لرسالة الأنجلة في الكنيسة. وتشكِّل المدارس الكاثوليكية الفرصة الفعلية الوحيدة لأولاد العائلات الفقيرة وبالأخص الشباب منهم، لأنها توفر لهم خياراً غير الفقر وتعطيهم سبيلاً لأن يساهموا في حياة المجتمع. يجب تشجيع المدارس الكاثوليكية على تطوير خدمتها للجماعات الأكثر فقراً وضعفاً في مجتمعنا. |3-253| الفصل الثالث: العائلة والمرافقة الرعوية الحالات المعقَّدة 69- إن سرّ الزواج، بِكَونه وِحدةً لا تنحلُّ أبدًا بالأمانة بين الرجل والمرأة المدعوّيين لعطاء ذاتٍ مُتبادل ولاستقبال الحياة، هو نعمة كبيرة للعائلة البشريّة. وعلى الكنيسة واجب إعلان بُشرى هذه النعمة للجميع وفي كل مكان بفرح كبير. فهي تشعر اليوم أيضاً، وبصورة ملحة، بمسؤولية جعل المؤمنين يكتشفون مجدداً مدى عمل نعمة الله في حياتهم - حتى في الظروف الأكثر صعوبة - لإيصالهم إلى ملء هذا السرّ. فالسينودس الذي يُحيّي ويُشجّع العائلات التي تعيش روعة الزواج المسيحي، يحاول دعم التمييز الرعوي للحالات التي يصعب فيها تقبّل هذا العطاء، أو يكون فيها مُهدَّداً بدرجات مختلفة. فهناك مسؤولية كبيرة في الحفاظ على الحوار الرعوي الحيّ مع المؤمنين بهدف التوصّل إلى انفتاح مُتزايد ومُنسجم مع انجيل الزواج والعائلة بملئه. لذا يتوجّب على الرعاة تحديد العناصر التي تساهم في التبشير والنمو الإنساني والروحي لكل الذي أوكِلوا لرعايتهم من قبل الرب. |21-236| 70- على الرعويّة أن تعرض الرسالة الإنجيليّة بوضوح وتلتقط العناصر الإيجابيّة الموجودة في الأوضاع التي لم تنسجم بعد، أو تلك التي لم تعد تنسجم مع هذه الرسالة. ففي العديد من البلدان يتزايد عدد الذين يعيشون المساكنة بلا زواج متزوّجين كنسيٍّ أو مدني. وفي بعض البلدان هناك شكل تقليدي للزواج يكون مُدبَّراً بين العائلات وغالباً ما يُحتفل به على مراحل. وفي بلدان أخرى، يزداد بالمقابل عدد الذين يطلبون الإحتفال بزواجهم في الكنيسة بعد عيْشهم لوقتٍ طويل تحت سقف واحد. فالمساكنة هي في أكثر الأحيان وليدة العقليَّة السائدة الرافضة للمؤسسات والإرتباطات النهائية، ولكنها خيار يتخذه البعض أيضاً بسبب انتظاره لضمانات حياتية معيَّنة (العمل أو الراتب الثابت). وفي بلدانٍ أخرى، تزداد ارتباطات الأمر الواقع أكثر فأكثر، لا بسبب رفض قِيَم العائلة والزواج ولكن لكون الزواج بات يعتبر ترفًا يصعب الحصول عليه: فالظروف الإجتماعية الصعبة المتأثرة بالضائقة المادِّية تدفع بهذا الإتجاه. وكل هذه الحالات يجب أن تُدرس بطريقةٍ بنَّاءة، بحثًا عن كيفية تحويلها إلى فرص ومسار للتوبة نحو بلوغ ملء الزواج والعائلة على ضوء الإنجيل. |47-213| 71- إن اختيار الزواج المدني أو مجرَّد المساكنة قد لا يكون نابعًا بالضرورة من الأحكام المسبقة، أو من المعارضة للإتحاد الأسراري، بل يعود في أغلب الأحيان إلى أسباب ثقافيَّة عارضة. ويكون قرار العيش معًا، في حالاتٍ كثيرة، مؤشِّراً لكون هذه العلاقة تنشد الاستقرار. وتتجسَّد هذه الإرادة في اتحاد ثابت، جدير بالثقة، ومُنفتح على الحياة، يمكن اعتباره التزاماً قد يُبني عليه مسارٌ للوصول إلى سرِّ الزواج، الذي سيكشف قصد الله في حياة الثنائي. إن طريق النمو الذي يقود إلى الزواج الأسراري سوف يعزِّزه اكتشاف مزايا الحبِّ المتفاني والثابت: الرغبة في البحث عن خير الآخر قبل الخيرالشخصي؛ اختبار المغفرة المطلوبة والممنوحة؛ التوق الى تأسيس عائلة لا تنغلق على ذاتها بل تنفتح على خير الجماعة الكنسيَّة والمجتمع كله. وفي هذا المسار، يُمكن تقدير علامات الحب التي تنسجم تمامًا مع إنعكاس محبة الله في مُخطط زوجي حقيقي. |42-218| 72- إن الإشكاليات المتعلِّقة بالزيجات المُختلطة تتطلَّب اهتماماً خاصاً. فالزيجات بين الكاثوليك وسواهم من المُعمَّدين "تتضمَّن عناصر عديدة لا بدَّ من تقديرها وتطويرها إمَّا لقيمتها الجوْهرية أو لما يُمكن أن تُساهم به في الحركة المسكونيّة". لذا يُمكننا أن نبحث عن تعاون ودِّي بين كاهن كاثوليكي وكاهن من طائفة أخرى منذ بداية التحضير للزواج. "وفيما يتعلَّق بالشركة الإفخارستيّة، نذكِّر بأن القرار بالسماح أو الرفض للشريك غير الكاثوليكي بالمشاركة في المناولة الإفخارستية قرار يُمكن اتخاذه بما يتوافق مع القواعد العامة المتعلِّقة بهذا الشأن، سواء للمسيحيين الشرقيين أو لباقي المسيحيين، مع الأخذ بعين الاعتبار لهذه الحالة الخاصة التي ينال فيها الشريكان المعمَّدان سرَّ الزواج المسيحي. ورغم كونهما في الزواج المختلط، وقد شاركا معًا في سرَّيْ المعمودية والزواج، إلا أن الشركة الإفخارستية تبقى استثنائية. وعلينا في كلَّ حالة اتباع المعايير المنصوص عليها". (ارشاد باباوي لدعم الوحدة بين المسيحييين، توجيهات لتطبيق المبادئ والقواعد المتعلّقة بالعمل المسكوني في 25 آذار 1993، 159-160). |29-229| 73- إن الزيجات التي تتضمن اختلافًا في العبادة تشكل مكانًا مميزًا للحوار بين الأديان في الحياة اليومية، وتعتبر علامة رجاء للجماعة الدينية وبشكل خاص في الحالات التي يعتريها التوتر. فإن أعضاء الثنائي يتشاركان في خبراتهما الروحية المختلفة أو يقوم أحدهما بمسيرة بحثٍ إيمانية إذا كان غير مؤمن (ا كور 7/14). فالزيجات التي تتضمن اختلافاً في العبادة تعاني كثيراً من الصعوبات إن كان بالنسبة للهوية المسيحية للعائلة، أو بالنسبة للتربية الدينية للأولاد. فالزوجان مدعوان باستمرار لتحويل شعورهما الأول بالانجذاب لبعضهما، إلى رغبة عميقة صادقة لخَيْر الشريك. وهذا الانفتاح قد يُحوِّل ايضاً الانتماء الديني المختلف إلى فرصة اغتناء من نوعية العلاقات الروحية. فالعائلات التي تجمعها زيجات من أديان مختلفة يزداد عددها أكثر وأكثر في بلدان الرسالة ولكن أيضاً في البلدان التي اعتنقت المسيحية منذ زمن بعيد جداً. وهكذا تتضاعف الحاجة الماسة لاقتراح منهجية رعوية تتماشى مع اختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية. ففي بعض البلدان التي تنعدم فيها الحرية الدينية، يضطر الزوج المسيحي إلى اعتناق ديانة أخرى كي يتمكن من الزواج، ولا يمكنه الاحتفال بزواج قانوني مع شريك من دين مختلف، كما لا يمكنه منح أولاده سرَّ المعمودية. فعلينا التأكيد من جديد على أهمية احترام الحرية الدينية للجميع. 74- إن الزيجات المختلطة، والزيجات القائمة على عبادات مختلفة تقدِّم لنا امكانيات قد تكون مثمرة لكنها تضعنا أيضاً أمام أوضاع عديدة يصعب حلَّها على المستوى الرعوي اكثر مما هو على المستوى القانوني، لا سيما التربية الدينية للأولاد أو المشاركة في الحياة الليتورجية للشريك أو مشاركته في خبرته الروحية. لذا يجب علينا أن نوجِّه اهتماماً خاصاً للأشخاص الذين يعيشون زيجات ممثالة، ليس فقط قبل الزواج بل بعده أيضاً، لمواجهة هذا الإختلاف بطريقة بناءة. فالزيجات التي يكون فيها أحد الشريكين غير مؤمن تواجه تحدِّيات خاصة. وفي تلك الحالات يجب أن نشهد لقدرة الانجيل على التأقلم مع هذه الأوضاع، لإعطاء امكانية تربية الأولاد على الإيمان المسيحي. |36-223| 75- هناك صعوبة خاصة في منح سر المعمودية للأشخاص الذين يعيشون أوضاعاً زوجية معقَّدة، أي الذين ارتبطوا بالزواج حين كان أحدهما يجهل الإيمان المسيحي. ففي هذه الحالات يجب على الأساقفة ممارسة التمييز الرعوي المناسب لخيْرهِم الروحي. |52-205| 76- إن الكنيسة تتمثَّل في سلوكها بمنحى السيد المسيح، الذي بمحبته اللامتناهية، قدَّم ذاته لكلِّ إنسانٍ بدون استثناء. ففيما يتعلق بالعائلات التي تضمُّ بين أفرادها أشخاصاً يعانون من ميولٍ جنسية مثلية، تؤكد الكنيسة أن كل انسان، مهما كانت ميوله الجنسية، يجب أن يكون مُصانًا في كرامته، ومسموعاً باحترام، مع التركيز على تجنُّب "كل علامة تمييز مجحفة" (مجلس عقيدة الإيمان، ملاحظات حول مشروع الاعتراف القانوني بالاتحاد بين المثليين). ومن الضروري توجيه اهتمام خاص لمرافقة تلك العائلات. أما بالنسبة للمشاريع التي ترمي إلى المعادلة ما بين الزواج المسيحي والعلاقات بين المثليين: "ليس هناك أي أساس لإقامة مقارنة حتى ولو من بعيد بين تلك العلاقات المثلية وقصد الله حول الزواج والعائلة". فالسينودس يعتبر أنه من غير المقبول أن تتعرَّض الكنائس المحلية لضغوطات كثيرة في هذا المجال، وان تربط المنظمات الدولية مساعداتها المالية للبلدان الفقيرة بمدى إدراجها لتلك القوانين المتعلِّقة "بالزواج" بين أشخاص من جنس واحد. |37-221| المرافقة في الظروف المختلفة 77- إن الكنيسة تتبنَّى أفراح وآمال وأحزان ومخاوف كل العائلات في شركة محبة عميقة، وهي تعمل كي تكون قريبة من تلك العائلات وكي ترافقها في مسيرة دربها، فتتخذ مواقف تتناسب بدقة مع مختلف الحالات: أحياناً تُساند وتُصغي بصمت، أحياناً أخرى تقود العائلات لتُظهر لها الطريق الذي يجب عليها سلوكه، وفي أوقات أخرى تتبعها، تدعمها وتشجِّعها. "على الكنيسة أن تدرِّب أعضاءها – كهنة، مكرَّسين وعلمانيين – على "فنِّ المرافقة" كي يتعلَّم الجميع كيف يخلعون نِعالهم أمام أرض الآخر المقدَّسة (الخروج 3/5). علينا أن نجعل تقرُّبنا من الآخر يتمُّ في إيقاع خلاصي، من خلال نظرة احترام مليئة بالتعاطف، نظرة تشفي تحرِّر وتشجِّع على النضوج في الحياة المسيحية". والرعية هي التي تقدِّم المساهمة الأساسية في الرعوية العائلية. فهي عائلة العائلات التي تحقِّق التناغم والانسجام بين ما تقدِّمه الجماعات الصغيرة والجمعيات والحركات الكنسيَّة المختلفة. فالمرافقة تتطلَّب كهنة متخصِّصين للعمل في هذا المجال كما تستوجب خلق مراكز متخصِّصة يتعلم فيها الكهنة والمكرَّسون والعلمانيون كيفية الإعتناء بكل العائلات، مع اهتمام خاص بتلك التي تعاني من الصعوبات. 78- ويبدو أن هناك حاجة ماسَّة إلى إقامة رعاية خاصة للعائلات التي انكسرت فيها العلاقة الزوجية. إن مأساة الانفصال تحدث غالباً بعد فترات طويلة من الخلافات التي تُسقط على الأولاد أعمق الجراح والآلام. فالشريك المتروك أو الذي أُجبر على كسر الحياة المشتركة بسبب معاملة سيئة خطيرة ومتكررة من قبل الآخر، يعاني من الوحدة التي تتطلَّب اهتماماً خاصاً من قبل الجماعة المسيحية. إن الوقاية والرعاية في حالة العنف العائلي تتطلَّبان تعاوناً وثيقاً مع العدالة بهدف اتخاذ الإجراءات الضرورية تجاه الأشخاص المسؤولين وحماية الضحايا كما يجب. ومن الضروري جداً دعم وتأمين حماية القاصرين من التعديات الجنسية. فالكنيسة تؤكد دومًا رفضها المطلق لتلك الممارسات المشينة ولا تسمح بها أبداً في مرافقتها للعائلات. ويبدو لها مناسباً أيضاً الاهتمام بالعائلات التي يُمارس بعض أعضائها مهاماً ذات متطلِّبات خاصة مثل العسكريين الذين يضطرون للانفصال الجسدي والابتعاد الطويل عن عائلاتهم مع كل ما يستتبع ذلك من نتائج سلبية، وبعد عودتهم تتفاقم لديهم الصراعات، وقد يكونون مصابين بأعراض "ما بعد الصدمة"، أو يتألمون في ضمائرهم، مما يستوجب الإهتمام الرعوي الخاص بتلك العائلات. |8-250| 79- إن اختبار الفشل في الزواج هو مؤلم دوماً للجميع. إلا أن هذا الفشل قد يكون مناسبة للتفكير العميق والتوبة، ومناسبة للعودة إلى الله والتسليم المطلق له. فعندما يصبح كل إنسان منا واعياً لمسؤولياته الخاصة يستطيع أن يستعيد ثقته ورجاءه بالرب. "من قلب الثالوث، من عمق اعماق سر الله يتدفَّق باستمرار نبع الرحمة الإلهية الذي لا ينضب أبداً. ففي كل مرة نحتاج فيها إليه يُمكننا أن ننْهل منه، لأن رحمة الله لا متناهية ولا حدَّ لها" (Misericordiae vultus, 25). فعندما يتعرَّض أحد للظلم تصعب عليه المغفرة للآخر، إلا أن هذا الطريق يصبح ممكناً بقوة النعمة الإلهية. من هنا تبرز الحاجة إلى رعوية التوبة والمصالحة من خلال مراكز الإصغاء والوساطة التي يجب تأسيسها في الأبرشيات. كما يجب تعزيز العدل تجاه كل الأطراف المتأثرة بفشل الزواج (الأزواج والأولاد). لذا يتوجَّب على الجماعة المسيحية ورعاتها أن يطلبوا من الأزواج المنفصلين والمطلَّقين بأن يتعاملوا مع بعضهم باحترام ورحمة، وبخاصة لخير الأولاد الواجب تجنيبهم المزيد من الآلام، وعدم إشراكهم في الخلافات، بل البحث عن أفضلالطرقللسماحلهمبتخطِّيصدمةالتمزُّقالعائلي،والنموبالطريقةالأكثرصفاءًوطمأنينة. وعلىالكنيسةأنتبرزدائمًاالظلمالذيينتجفيغالبالأحيانعنحالاتالطلاق.|14-246| 80- هناك عائلات تفتقد إلى أحد الشريكين لأسباب عديدة: رفض بعض الأهل البيولوجيين الانخراط في الحياة العائلية، أو حالات عنف شديد دفعت أحدهما للهروب مع أولاده، أو موْت أحد الوالدين، أو تخلِّي أحد الشريكين عن العائلة، أو حالات أخرى. ومهما كان السبب يصبح الشخص الذي يعيش مع الأولاد بحاجة إلى دعم وتعزية من قبل العائلات الأخرى التي تشكِّل الجماعة المسيحية، ومن قبل المؤسسات الرعوية في الرعية. وتتعرَّض تلك العائلات في أكثر الأحيان الى مشاكل اقتصادية خطيرة بسبب الافتقار إلى عمل ثابت، وصعوبة تلبية حاجات الأولاد، ومعاناة لمشاكل السكن. ومن الضروري إظهار نفس الاهتمام الرعوي لكل الأرامل والفتيات اللواتي أصبحن أمهات، ولأولادهن. |6-253| 81- عندما يواجه الأزواج مشاكل في علاقاتهم، لا بدَّ من إعطائهم إمكانية الاعتماد على مساعدة الكنيسة ومرافقتها لهم. والتجربة تُظهر أن جزءاً كبيراً من أزمات الأزواج يُمكن تخطِّيها بطريقة مُرضية بمساعدة إنسانية مناسبة، وبفضل المصالحة من خلال عمل نعمة الروح القدس. إن قدرة الإنسان على المغفرة وشعوره أنه هو أيضاً مسامح، يشكِّلان اختباراً أساسياً في حياة العائلة. فالمغفرة بين الأزواج تسمح لهم من جديد باكتشاف حقيقة الحب الذي يدوم للأبد. ففي مجال العلاقات العائلية، تبرز أهمية المصالحة بشكلٍ يومي. إن سوء التفاهم المتكرِّر دائماً والناتج عن العلاقات مع عائلات الزوجين، والصراعات بين العادات الثقافية والدينية المختلفة، والاختلاف في وجهات النظر فيما يتعلق بتربية الأولاد، والقلق تجاه الأزمات الاقتصادية، والتوتُّر الناتج عن حالات تبعية أو فقدان العمل: تلك هي بعض الدوافع التي تؤدي إلى الضغوطات والصراعات. إن "فن" المصالحة صعب، يتطلَّب دعم النعمة الإلهية ويحتاج إلى التعاون السخي من قبل الأهل والأصدقاء، وأحياناً من قبل مساعدة خارجية متخصِّصة. وفي الظروف المؤلمة كما في حالة الخيانة الزوجية لا بدَّ من الإستعداد للقيام بعملٍ تعويضي صادق. وهكذا يُمكن للعهد الذي تعثَّر أن يستعيد عافيته. وعلى هذا الرجاء، يجب تنشئة الثنائي منذ فترة التحضير للزواج. فعمل الروح القدس أساسي في تعزية الأشخاص والعائلات المجروحة، وفي تقبُّل سر المصالحة، وأهمية اتِّباع مسيرات روحية، ومرافقة من قبل كهنة متخصصين في هذا المجال. |7-253| 82- يعتبر العديد من المؤمنين الذين عاشوا اختبار زواج مأساوي أن هناك امكانية لإعادة النظر في صلاحيةذلكالزواج.وهناكقراراتحديثة Motu proprio(Mitis iudex Dominus Iesus et Misericors Iesus) حثَّت على تسهيل الإجراءات المتعلقة بإمكانية اعلان فسخ الزواج. وفي تلك النصوص اراد الأب الأقدس اظهار دوْر الأسقف الذي أوكِلتْ اليه رعاية ورئاسة ابرشيته، وهو بالتالي مسؤول عن القضاء تجاه المؤمنين الموكلين الى رعايته (Mitis iudex, préambule, III). فهذه المستندات الصادرة عن البابا تُلقي مسؤولية كبيرة على عاتق الأساقفة المحليين في الأبرشيات لأنهم مدعوون لإصدار الأحكام بأنفسهم لتمكين المؤمنين من التوصل بشكل أسرع إلى العدالة. ويتطلب ذلك تحضير طاقم كافٍ من الموظفين مؤلف من اكليريكيين وعلمانيين مكرَّسين بشكل أساسي لهذه الخدمة الكنسية. لكن من الضروري أن تضع الكنيسة تحت تصرف الأشخاص المنفصلين أو الذين يواجهون الصعوبات، خدمة استعلام ومشورة ووساطة مرتبطة بالرعوية العائلية التي يمكنها استقبال الأشخاص في طور التحقيق التمهيدي لدعوى البطلان (cf Mitis iudex, art. 2-3). |16-244| 83- إن الأشخاص الذين يمتنعون، رغم ظروفهم الصعبة، عن إقامة علاقات جديدة بسبب امانتهم لاتحادهم الأسراري، يؤدُّون شهادة تستحقُّ الإمتنان والدعم من قبل الكنيسة، التي تودُّ أن تظهر لهم وجه الله الأمين لِحُبِّه، والقادر دوماً على منح القوة والرجاء. فالأشخاص المنفصلون أو المطلَّقون ولم يُقدِموا على الزواج مرة ثانية هم في أكثر الأحيان شهود للأمانة الزوجية، ويجب تشجيعهم على التغذِّي من الافخارستيا التي تدعمهم وتقوِّيهم في ظروفهم الصعبة. |12-248| التمييز والإندماج 84- على المعمَّدين المطلَّقين والمرتبطين من جديد بزواجٍ مدني أن يكونوا أكثر اندماجاً في الجماعة المسيحية، بمختلف الطرق المُحتملة، متجنِّبين كل سبب زلَّة. إن منطق الإندماج هو مفتاح المرافقة الرعوية لهم كي يعلموا أنهم لا ينتمون فقط إلى الكنيسة، جسد المسيح السرِّي بل يستطيعون أيضاً أن يعيشوا فيها إختباراً سعيداً ومُثمراً. إنهم معمَّدون، إخوة وأخوات، والروح القدس يُفيض عليهم عطاياه ومواهبه لخير الجميع. ويُمكن أن تتجلى مشاركتهم في مختلف الخدمات الكنسية. لذا يجب تمييز أشكال الإقصاء الممارسة حالياً في الحقول الليتورجية والرعوية والتربوية والمؤسساتية، والتي يُمكن تخطِّيها. فلا يكفي ألاّ يشعروا بأنهم مُسْتبْعدين ومحرومين بل يجب أن يكون لديهم القدرة على العيش والنمو كأعضاء حيَّة في الكنيسة، فيشعرون بأنها أم تستقبلهم دائماً، تهتمُّ بمشاعرهم، وتشجعهم في مسيرة الحياة والإنجيل. وهذا الإندماج هو ضروري أيضاً للعناية والتربية المسيحية لأولادهم، وهم الأهم. فالعناية بهؤلاء الأشخاص لا تشكِّل بالنسبة للجماعة المسيحية ضعفاً وانخفاضاً في الإيمان والشهادة لِدَيْمومة الزواج: على العكس تماماً إن الكنيسة تجسِّد محبَّتها من خلال هذا الإهتمام بالذات. |72-187| 85- إن القديس يوحنا بولس الثاني قدَّم لنا مِعْياراً عاماً ليكون أساساً لتقييم تلك الأوضاع: "يجب أن يعلم الرعاة أن عليهم حسن التمييز بين مختلف الحالات، حُباً بالحقيقة. فهناك بالفعل فرق كبير بين الذين حاولوا بصدقٍ عميق انقاذ زواجهم الأول إلا أنهم عانوا التخلِّي المجحف والظلم، وبين الذين بخطيئتهم العظيمة دمَّروا زواجهم الذي ما زال قائماً قانونياً. وأخيراً هناك حالة الذين تزوَّجوا مرَّة ثانية بهدف تربية اولادهم وهم متأكدون في أعماقهم بأن زواجهم الأول المُحطَّم نهائياً لم يكن أبداً صحيحاً" (Familiaris consortio, 84). فعلى الكهنة مرافقة هؤلاء الأشخاص في مسيرة تمييز بحسب تعاليم الكنيسة وارشادات الأسقف. وفي هذا السياق من الضروري القيام بفحص ضمير من خلال أوقات تأمُّل وتوبة. فعلى المطلَّقين المتزوِّجين مُجدداً أن يتساءلوا: كيف كانوا يتعاملون مع أولادهم في فترة الأزمة؛ وهل كانت هناك محاولات للمصالحة؛ ما هو وضع الشريك المتروك؛ ما هي نتائج ارتباطهم الجديد على بقية أفراد العائلة وجماعة المؤمنين؛ ما هو المثل الذي قدَّموه للشباب الذين يتحضَّرون للزواج. فالتأمل الصادق يُمكن أن يقوِّي ويثبِّت الثقة برحمة الله التي لا تُحجب عن أحد. ولا ننكر أن "تبعة ومسؤولية عمل ما، يمكن تخفيضها وحتى إلغاؤها" بحكم ظروف معينة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1735). وبالتالي فإن الحكم في حالة موضوعية لا يجوز أن يؤدي الى الحكم على "المسؤولية الذاتية" (المجلس الحبري للنصوص التشريعية، 24 حزيران 2000). ففي بعض الظروف يجد الأشخاص صعوبات كبيرة في التصرّف بطريقة مغايرة. رغم الحفاظ على قاعدة عامة، من الضروري إذًا التنبُّه والإقرار بأن المسؤولية تجاه بعض التصرفات والقرارات ليست نفسها في كل الحالات. وإذ يأخذ التمييز الرعوي بعين الاعتبار الضمير المستقيم لكل شخص، عليه ان يدرس جيداً تلك الأوضاع، ونتائج الأعمال المنفَّذة التي قد لا تكون نفسها في كل الظروف. |80-178| 86- إن مسيرة المرافقة والتمييز توجِّه المؤمنين كي يُصبحوا واعين لأوضاعهم أمام الله. فالحوار الحميم مع الكاهن يؤدِّي إلى إيجاد حكم صحيح حول كل ما يحول دون المشاركة التامَّة في حياة الكنيسة، وحول المراحل التي يمكن أن تنمِّي تلك الشركة وتطوُّرها. ونظراً لعدم وجود تدرُّج في هذا القانون (cf Familiaris consortio, 34)، فإن هذا التمييز لا يمكنه أن يتجاهل متطلِّبات الحقيقة والمحبة في الإنجيل كما تعرضهما الكنيسة. ولكي يتحقق ذلك يجب ضمان الشروط الضرورية من تواضع وتكتُّم ومحبة للكنيسة وتعليمها، في البحث الصادق عن ارادة الله، والرغبة في التجاوب معها على أكمل وجه. |64-190| الفصل الرابع: العائلة والأنجلة الروحانية العائلية 87- العائلة، في دعوتها ورسالتها، هي حقاً كنز في قلب الكنيسة. ومع ذلك، "نحمل هذا الكنز كما في آنية من خزف"، كما يؤكد القديس بولس في كلامه عن الإنجيل. ويقول البابا فرنسيس أنه: "على مدخل حياة العائلة، كتبت ثلاث كلمات (...): "إذا سمحت"، "شكراً"، "عفواً". في الواقع تفتح هذه الكلمات الطريق لحياة جيدة في قلب العائلة، للعيش بسلام. إنها كلمات بسيطة، لكن تنفيذها ليس بهذه البساطة! فهي تتضمَّن قوة كبيرة: قوة حماية البيت، حتى من خلال ألف صعوبة ومحنة؛ بالمقابل يفتح انتفاء هذه الكلمات، شيئاً فشيئاً، ثغرات قد تؤول الى حد انهياره. (البابا فرنسيس، مقابلة عامة، 13 أيار 2015). ويدعو تعليم الباباوات الى التعمُّق بالبعد الروحي للحياة العائلية، إنطلاقاً من إعادة اكتشاف الصلاة والإصغاء المشترك لكلمة الله في العائلة، وهي نبع الإلتزام في المحبة. أما الإفخارستيا فهي الغذاء الأساسي لحياة العائلة الروحية، خصوصاً في يوم الرب، إنها علامة رسوخها العميق في الجماعة الكنسيَّة (راجع يوحنا بولس الثاني، Dies Domini، 52، 66). كما أن الصلاة البيتية والمشاركة في الليتورجيا وممارسة التقوى الشعبية والمريمية، هي وسائل فعالة للقاء بيسوع المسيح والكرازة في العائلة. هذا يؤكد بوضوح على دعوة الزوجين الخاصة في تحقيق قداستهما، من خلال الحياة الزوجية، بنعمة الروح القدس وبالمشاركة أيضاً في صليب المسيح، الذي يحوِّل الصعوبات والآلام الى عطية حب. |3-255| 88- في العائلة، الحنان هو الرابط الذي يوحِّد الأهل فيما بينهم ويجمعهم بأولادهم. وهو يعني العطاء بفرح وإحياء الفرح في قلب الآخر لكونه محبوباً. ويتجلَّى الحنان خصوصاً عندما نتوجَّه الى الآخر، في محدوديته، خصوصاً إذا كانت ظاهرة، بكل اهتمام ولطف. التعامل بلطف وحنان يعني تضميد الجراح وإعادة الرجاء، لإعادة إحياء الثقة لدى الآخر. الحنان في العلاقات العائلية هو الفضيلة اليومية التي تساعد على تخطي الصراعات الداخلية والعلائقية. والبابا فرنسيس يدعو للتفكير بذلك: "ألدَينا الجرأة لنستقبل بحنان الظروف الصعبة والمشاكل لمن هو بالقرب منا، أم نفضِّل الحلول اللاشخصية التي يمكن ان تكون فعالة لكن خالية من دفء الإنجيل؟ كم العالم بحاجة الى الحنان اليوم! الى طول أناة الله، الى قربه وحنانه" (البابا فرنسيس، عظة بمناسبة قداس ليلة عيد الميلاد، 24 كانون الأول 2014). |4-252| العائلة، موضوع العمل الرعوي 89- إذا ارادت العائلة المسيحية ان تكون أمينة لرسالتها، عليها ان تفهم جيداً ما هو مصدرها: لا يمكنها التبشير بالإنجيل إذا لم تبشَّر هي أولاً. رسالة العائلة تطال إتحاد الزوجين الخصب، تربية الأولاد، شهادة الأسرار، تحضير ثنائيين آخرين للزواج ومرافقة الأزواج التي تواجه صعوبات، بكل ود وصداقة. من هنا أهمية الكرازة والتعليم المسيحي في قلب العائلة. وفي هذا المجال، يجب السهر على تعزيز دور الأزواج، الأمهات والآباء، الفاعل في التعليم المسيحي، خصوصاً بالنسبة للأولاد، وذلك بالتعاون مع الكهنة، الشمامسة والأشخاص المكرَّسين ومعلِّمي التعليم المسيحي. هذا الجهد يبدأ مع انطلاقة العلاقة في حياة الثنائي. التعليم المسيحي العائلي يشكِّل دعماً كبيراً، وطريقة فعَّالة لتنشئة الأهل الشباب وتوعيتهم على رسالتهم كمبشِّرين لعائلتهم. بالإضافة الى ذلك، من المهم جداً أن نلفت الى الرابط بين الإختبار العائلي والتعليم المسيحي. فالجماعة المسيحية كلها يجب ان تصبح مكاناً تولد فيه العائلات، تتلاقى وتقابل اختباراتها، بالسير في الإيمان وبالعيش معاً مسارات النمو والتبادل. |2-257| 90- على الكنيسة ان تبعث في قلب العائلات روح الإنتماء الكنسي، معنى الـ "نحن" حيث لا يُنسى أيٌّ من الأعضاء وحيث يشجَّع الجميع على تنمية قدراتهم وتحقيق مشروع حياتهم في خدمة ملكوت الله. كل عائلة، مندمجة في الإطار الكنسي، تكتشف من جديد الفرح والوحدة مع عائلات أخرى في خدمة الخير العام، والعمل على تعزيز سياسة واقتصاد وثقافة في خدمة العائلة، والإستفادة من القنوات الإجتماعية والإعلامية. إن إنشاء جماعات عائلية صغيرة هو أمر محبَّذ، كونها شاهدة حية للقيم الإنجيلية. وهناك شعور بالحاجة لتحضير بعض العائلات وتنشئتها على مرافقة الآخرين ومساعدتهم على العيش بطريقة مسيحية. كما يجب التذكير أيضاً بعمل العائلات التي تتفرَّغ لعيش الرسالة ad gentes وتشجيعها. وتجدر الإشارة أخيراً الى أهمية ربط رعوية الشباب برعوية العائلة. |5-255| العلاقة مع الثقافات والمؤسسات 91- الكنيسة "التي عاشت عبر الزمن أوضاعاً وجودية متنوعة، واستعانت بمصادر الثقافات المتعددة لتنشر وتعرض، من خلال تبشيرها، رسالة المسيح الى كل الأمم، وتتعمَّق بها بطريقة أفضل وتعبِّر عنها بصورة كاملة في الإحتفال الليتورجي كما في حياة المؤمنين المتعددة الأشكال" (فرح ورجاء، 58). من المهم إذاً ان تُؤخذ هذه الثقافات بعين الإعتبار وان تحترم كل منها في خصوصياتها. يجب التذكير أيضاً بما كتبه الطوباوي بولس السادس: "الفصل بين الإنجيل والثقافة هو، دون شك، مأساة عصرنا، كما في العصور الأخرى. يجب بذل كل جهد في سبيل كرازة سخية للثقافة، بل للثقافات تحديداً" (الطوباوي بولس السادس، إرشاد رسولي Evangelii nuntiandi، 8 كانون الأول 1975). رعوية الزواج والعائلة تتطلب الإعتراف بهذه العناصر الإيجابية التي نجدها في مختلف التعابير الدينية والثقافية والتي تمثل الـ praeparatio evangelica. لكن في اللقاء مع الثقافات لا يمكن لكرازة متنبِّهة لمتطلبات الترقي الإنساني للعائلي ان تتوانى عن الشجب القاطع للإنجراف الثقافي والإجتماعي والسياسي والإقتصادي. فالهيمنة المتزايدة لمنطق السوق الذي يُفسد الأماكن والزمن الواجب تكريسهما لحياة عائلية حقيقية، تسهم أيضاً في تعميق التمييز والفقر والإقصاء والعنف. وبين العائلات المختلفة التي تقع ضحية الضيق الإقتصادي، بسبب البطالة وهشاشة العمل أو بسبب النقص في المساعدة الصحية والإجتماعية، من تجد نفسها فريسة للربى نظراً لصعوبة إستفادتها من القروض المصرفية، فتجد نفسها في بعض الأحيان مجبرة على ترك بيوتها وحتى أولادها. في مواجهة هذه الحالات، نقترح إنشاء بنى إقتصادية تقدم دعماً ملائماً لمساعدة هذه العائلات وتعزيز التضامن العائلي والإجتماعي. |12-248| 92- العائلة هي "الخلية الأولى والحيوية للمجتمع" (Apostolicam actuositatem, 11) عليها ان تُعيد اكتشاف دعوتها في دعم الحياة الإجتماعية fكل أبعادها. من الضروري أن تجد العائلات، بتوحيدها لقواها،الوسائل للتفاعل العملي مع المؤسسات السياسية، الإقتصادية والثقافية، لبناء مجتمع أكثر عدلاً. لذلك يجب تطوير الحوار والتعاون مع البنى الإجتماعية وان تُشجيع العلمانيين الملتزمين كمسيحيين في القطاعات الثقافية والإجتماعية – الإقتصادية. ويجب على السياسة ان تحترم بطريقة خاصة مبدأ الإنابة وان لا تحد من حقوق العائلات. من المهم في هذاالموضوع،العودةالى"وثيقةحقوقالعائلة"(راجع المجلس الحبري للعائلة، 22 تشرين الأول 1983) والشرعة العالمية لحقوق الإنسان (10 كانون الأول 1948). بالنسبة للمسيحيين الذين يعملون في حقل السياسة، يجب ان يُشكل الإلتزام بالحياة والعائلة أولوية: المجتمع الذي يهمل العائلة يفقد انفتاحه على المستقبل. وعلى الجمعيات العائلية المنخرطة في العمل المشترك مع فرقاء من تقاليد مسيحية أخرى، أن تُدرج بين أهدافها الأساسية، مسألة تعزيز الحياة والدفاع عنها وعن العائلة، حرية التعليم والحرية الدينية واحترام التوازن بين وقت العمل والوقت المكرَّس للعائلة، والدفاع عن النساء في عالم العمل، وحماية حق اعتراض الضمير. |4-256| الإنفتاح على الرسالة 93- عائلة المعمدين هي بطبيعتها مرسلة، تنمي إيمانها بنقله للآخرين وأولهم الأولاد. ويشكل عيش العائلة للوحدة والمشاركة الإطار الأول لإعلان البشارة. في الواقع، تبدأ الأنجلة في العائلة، حيث لا تُعطى الحياة الجسدية وحسب، بل الحياة الروحية أيضاً. دور الجدَّين في نقل الإيمان والممارسات الدينية لا يجب ان يُنسى: إنهما الشاهدان للرابط ما بين الأجيال، وحارسا التقاليد المشبعة بالحكمة، بالصلاة وبالمثال. هكذا تتكوَّن العائلة كفاعل في العمل الرعوي من خلال الإعلان الواضح للإنجيل وإرث يحمل أشكالاً متعددة للشهادة: التضامن مع الفقراء، الإنفتاح على تعدد الأشخاص، حماية الخليقة والتضامن المعنوي والمادي مع العائلات الأخرى، وبخاصة تلك التي تُعاني من الفقر، وأخيراً الإنخراط لأجل تعزيز الخير العام، خصوصاً في ما يتعلق بالبنى الإجتماعية المجحفة، وذلك في الإطار الذي فيه تعيش، من خلال أعمال الرحمة على المستوى الجسدي والروحي. |2-255|. خاتمة 94- لقد إختبرنا، نحن آباء السينودس المجتمعون حول البابا فرنسيس، طوال هذه الجمعية العامة، حنان الكنيسة وصلاتها. سرنا كتلميذي عماوس وتعرَّفنا الى حضور المسيح على المائدة الإفخارستية وفي الإتحاد الأخوي والمشاركة في الإختبارات الرعوية. نتمنَّى أن تُمنح ثمار هذا العمل الذي وضعناه بين يدي خليفة بطرس، الرجاء والفرح لعائلات كثيرة عبر العالم، وأن تُعطي توجُّهاً الى الرعاة وكل الفاعلين في العمل الرعوي، وتشجيعاً على الكرازة بالإنجيل. وفي خاتمة هذا التقرير، نطلب من الأب الأقدس، بكل تواضع، أن ينظر بأهمية إصدار وثيقة عن العائلة، لكي يتجلَّىأكثر فأكثروجهالمسيح،نور العالم، في هذه الكنيسة البيتية. |5-253| صلاة الى العائلة المقدَّسة يسوع ومريم ويوسف، بكم نتأمل في بهاء الحب الحقيقي، ونتوجَّه اليكم بكل ثقة. عائلة الناصرة المقدَّسة، إجعلي من عائلاتنا نحن أيضاً أماكن شركة وعِليَّات صلاة، ومدارس حقَّة للإنجيل وكنائس بيتية صغيرة. عائلة الناصرة المقدَّسة، جنِّبي عائلاتنا كل اختبار عنفٍ وانغلاقٍ وتمزُّق: وامنحي كل من أصيب بجرح أو خزي التعزية والشفاء. عائلة الناصرة المقدَّسة، أيقظي فينا الوعي لقدسيَّة العائلة التي لا تُنقض وجمالها في مشروع الله. يسوع ومريم ويوسف، أصغوا إلينا واستجيبوا صلاتنا، آمين |